فقد استبان لك أن هذه الدائرة تشتمل على خمسة أبحر. منها ثلاثة مستعملة، ومنها اثنان مهملان، وعرفت صفة الفك، وسميت بدائرة المختلف لتركبها من جزأين مختلفين خماسي وسباعي.
الدائرة الثانية دائرة المؤتلف، وإليها أشار بالفاء من قوله (فلستة) وأشار بالستة إلى أنها مسدسة الأجزاء، وفيها ثلاثة أبحر، اثنان منها مستعملان، وواحد مهمل.
فالأول من المستعملين هو بحر الوافر ووزنه (مفاعلتن ست مرات، وأشار إليه بالجيم من قوله (جلت) المشار بها إلى (جوارحنا)، واللام والتاء لغو.
والثاني منها بحر الكامل، ووزنه (متفاعلن) ست مرات. أشار إليه بالحاء من قوله (حض) المشار بها إلى (حجبتهما) والضاد لغو.
والبحر المهمل وزنه (فاعلاتك) ست مرات. قال الصفاقسي: (والسبب في إهماله ما يلزم عليه من المحذور، وهو إما لزوم الوقف على المتحرك إن ترك الحرف الأخير على حاله من التحرك، أو عدم تماثل أجزاء البيت إن سكن لأنه من دائرة المؤتلف وهي مبنية على تماثل الأجزاء.
قال: وقد استعمله بعض المولدين وارتكب محذور عدم التماثل فقال:
ما رأيت من الجآذِرِ بالجزيرةِ ... إذء رَمَيْنَ بأَسْهم جَرَحتَ فؤاءي
وقال الشريف إن السبب في إهماله ما يلزم عليه من تفريق السبب الثقيل من الخفيف، وكلاهما كالصوت الواحد الذي لا تفرق أبعاضه، ولذا أطلق أئمة هذا الفن عليهما اسم الفاصلة، فأفردوهما باسم يختص بهما كالوتد والسبب. وقد سبق الكلام معه في ذلك.
ولنرسم هذه الدائرة على هذه الصورة: فإذا ابتدأت من أول علامة وانتهيت إلى الآخر حدث بحر الوافر، ومن أول السبب الثقيل إليه بحر الكامل، ومن أول السبب الخفيف إليه البحر المهمل الذي ذكرناه، وسموه بالمتوفر.
وإنما سميت هذه الدائرة بدائرة المؤتلف لائتلاف أجزائها وتماثلها، لأن بحريها المستعملين مركبان من أجزاء سباعية فتماثلت لذلك.
الدائرة الثالثة دائرة المجتلب وإليها أشار باللام من قوله. (لذ، والذال ملغاة. وتشتمل على ثلاثة أبحر كلها مستعمل، ولا مهمل فيها، وهي مسدسة الأجزاء، قال الشريف. (ولم ينص الناظم على أنها مسدسة الأجزاء، لأن ما أشار إليه من التسديس عند ذكر الدائرة الثانية منسحب حكمه على جميع ما يذكر بعده حتى ينسخه بذكر التثمين عند الإشارة إلى الدائرة الخامسة، فاستصحب لهذه الدائرة والتي بعدها حال التسديس الذي نبه عليه أولًا بقوله (ستة) .
إذا تقرر ذلك فالأول من أبحر هذه الدائرة هو الهزج، ووزنه (مفاعيلن) ست مرات. أشار إليه بالباء من قوله (بل) المشار بها (بسهميها)، واللام ماغاة، ولا يقع بإلغائها لبس، فإنها وإن كانت من الأحرف المرموز بها للدوائر فقد تقدم الرمز بها للدائرة في قوله (لذ) فلم يكن بالذي يعود إليها بعد أن فرغ منها.
البحر الثاني الرجز، ووزنه (مستفعلن) المجموع الوتد ست مرات. أشار إليه بالواو من قوله (وف) المشار بها إلى (وقعيهما)، والفاء لغو، ولا لبس يقع بها وإن كانت رمز دائرة المؤتلفة لأنها قد تقدمت فلا يظن به الرجوع إليها بعد انتهاء الكلام عليها كما مر.
البحر الثالث الرمل، ووزنه (فاعلاتن) المجموع الوتد ست مرات. أشار إليه بالزاي من قوله (زن) المشار ها إلى (زائرتي) والنون ليست من حروف الرمز أصلًا فهي ملغاة ولا لبس.
ولترسم هذه الدائرة على هذه الصورة: فمن أول علامة إلى الآخر بحر الهزج. ومن أول السبب الأول إليه بحر الرجز، ومن أول السبب الثاني إليه بحر الرمل.
وسميت بدائرة المجتلب، لأن أجزاءها كلها اجتلبت من دائرة المختلف إليها، فمفاعيلن من الطويل، ومستفعلن من البسيط، وفاعلاتن من المديد.
فإن قلت: لم حكم باجتلابها من هناك إلى هنا دون العكس؟ قلت: أجاب الصفاقسي عنه بوجهين: الأول أن فائدة الاجتلاب إنما هي الاستعمال، وهي كلها هنا مستعملة بخلافها في دائرة المختلف، لأن بعضها مهمل. الثاني أن كل أجزاء هذه الدائرة في دائرة المختلف دون العكس.
1 / 15