الأول بحر الطويل، ووزنه (فعولن مفاعيلن) أربع مرات. أشار إلى (فعولن) بالألف من (أبن) المشار بها إلى (أصابت)، وإلى (مفاعيلن) بالباء منه المشار بها إلى (بسهميها)، فكأنه يقول: دائرة المختلف مثمنة، وفيها بحر وزنه: (أصابت بسهميها) أربع مرات، وعلى ذلك فقس. غير أنه فاته تسمية البحر فاستدرك ذلك عند إتيانه بالأبيات المتضمنة للكلمات المشار بها إلى شواهد الأعاريض والضروب والزحاف كما سيأتي مفصلًاَ. والنون من قوله (أبن) ملغاة لأنها ليست من أحرف الرمز.
البحر الثاني المديد. ووزنه (فاعلاتن فاعلن) أربع مرات. أشار إلى مستفعلن بالواو من قوله (وله) المشار بها إلى (وقعيهما)، وأشار إلى (فاعلن) بالهاء منه المشار بها إلى (همة) . واللام المتوسطة بين الواو والهاء ليست من أحرف الرمز، فهي ملغاة لا يقع بها لبس.
وقد علمت أن الوتد الموجود في هذه الدائرة مجموع وأنها ليس بهل وتد مفروق، فإذن كل من (فاعلاتن) الواقع في المديد (ومستفعلن) الواقع في البسيط مجموع الوتد.
ويخرج من هذه الدائرة بحران مهملان أحدهما وزنه (مفاعيلن فعولن) أربع مرات، عكس الطويل. ويسميه بعضهم المستطيل. وحكى عن الخليل أن العرب لم تستعمله، وأن السبب في إهماله ما يلزم عليه من وقوع سببين بين وتدين في أوله فلا يمكن زحافهما.
واعترض بأن هذه العلة لو صحت للزم إهمال الهزج والمضارع والمقتضب، لأن كلًا منها مبني على سببين بين وتدين، فلا يمكن زحافهما. وأجيب بأنها لا يمكن في تأليفها إلا ذلك، إذ لا خماسي فيها، بخلاف هذا لأن فيه خاسيًا، فيخرج من المحذور بتقديمه.
واستشكله الصفاقسي، قال: (والأشبه ما قاله الزجاج، وهو أن (مفاعيلن) لو وقع أولًا لجاز خرمه، لأن أوله وتد مجموع، ويلزم أن يقع الخرم في جزء أصله أن يقع بذلك في حشو البيت ولا نظير له) . واعترضه أبو الحكم بأن هذا لو صح لما وقع الخرم في (مفاعيلن) في الهزج لوقوعها في الطويل حشوًا، لكن قد وقع فيها فدل على عدم اعتبار هذه العلة. قال الصفاقسي: (ولقائل أن يجيب عنه بأن المحذور الذي ألزمناه هو وقوع الخرم في جزء أصله أن يقع بذلك حشوًا لبيت، أي في تلك الدائرة، و(مفاعيلن) في دائرة الهزج أصله أن يقع فيها بدءًا فلا تصلح ناقضةً لتعليله والله اعلم. وقد نظم المولدون على هذا الوزن المهمل كقول بعضهم:
لقد هاج اشتياقي غريرُ الطّرف أحورْ ... أديرَ الصدغُ منه على مسكس وعنبرْ
وقول الآخر:
أَمِط عنيّ ملامًا برَى جسمي مداهُ ... فما قلبي جليدًا على سمع الملامِ
وقول الآخر:
أيسلو عنك قلبٌ بنار الحب يَصلَى ... وقد سدّدت نحوي من الألحاظ نَصْلا
البحر الثاني المهمل مقلوب المديد. وزنه (فاعلن فاعلاتن) أربع مرات، وسموه بالممتد، وقد نظم المولدون عليه أيضًا كقول بعضهم:
صاد قلبي غزال أحور ذو دلال ... كلما زدت حبًا زاد مني نفورا
وقول الآخر:
قد شجاني حبيبٌ واعتراني ادكارُ ... ليته إذ شجاني ما شجته الديارُ
وقد جرت العادة بأن يوضع شكل دائرة، ويرسم عليها نصف واحد من تفعيل البحر الأول منها بأن تجعل علامة المتحرك صورة حلقة صغيرة وتجعل علامة الساكن صورة ألف، فتضع الدائرة هكذا: وطريق الفك أنك تبتدئ من أول كل وتد وسبب وتمر إلى الآخر، فإن اتفق فوات شيء من أول الدائرة فتداركه آخرًا بأن تضيفه إلى ما فككته حتى تصل إلى المحل الأول الذي ابتدأت منه، فتبتدئ هنا من أول وتد في الدائرة وتمر إلى منتهاها، فيكون (فعولن مفاعلين، وهو بحر الطويل. ثم تبتدئ من أول سبب فيها فتقول (لن مفاعيلن فعولن مفاعيلن وتضيف إليه ما فات مما سبق، وهو فعو، فيحدث بحر المديد، وهو (فاعلاتن فاعلن) .
ثم تبتدئ من أول الوتد الثاني فيكون (مفاعيلن فعولن مفاعيلن) وتضيف إليه ما فات سبقًا فيحدث وزن المهمل الأول المسمى بالمستطيل.
ثم تبتدئ من أول سبب بعد هذا الوتد الثاني فتقول (عيلن فعولن مفاعيلن)، وتتدارك ما فات سبقًا، وهو (فعولن مفا)، فيحدث بحر البسيط.
ثم تبتدئ من ثاني سبب فتقول (لن فعولن مفاعيلن)، وتتدارك ما سبق وهو (فعولن مفاعي)، فيحدث البحر تامسمى بالممتد.
1 / 14