ومنها أنه لما عاد من هذه الغزوة وصله الخبر بخروج قافلة من دمشق، فيها أهله، فأشفق عليها، وأحب أن يجتمع بها شمله، فخرج في النصف من ربيع الأول. وكانت بأيلة (^١) قلعة في البحر، قد حصنها أهل الكفر، فعمر لها مراكب، وحملها إلى ساحلها على الجمال، وركبها الصناع هناك، وشحنها بالرجال، وفتح القلعة في العشر الأول من ربيع الآخر، واستحلها، واستباح بالأسر والقتل أهلها، وملأها بالعَددِ والعُدَد، وحصنها بأهل الجلاد والجلد، واجتمع بأهله عليها، وسار بهم على سمت القاهرة، ودخلوا في السادس والعشرين من جمادى الأولى.
ومنها أنه سار إلى الإسكندرية في الثالث والعشرين من شعبان ليشاهدها، ويرتب قواعدها، وهي أول دفعة سار إليها في أيام سلطانه، وعم أهلها بإحسانه، وأمر بعمارة أسوارها وأبراجها وأبدانها.
ومنها أنه كان بمصر سجن تعرف بدار المعونة (^٢)، فهدها صلاح الدين، وبناها مدرسة للشافعية، وبنى بها أيضا مدرسة للمالكية، وكانت دار العدل، وكان ذلك في النصف من محرم هذه السنة.
واشترى ابن أخيه تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب دارًا، كانت تعرف بمنازل العز (^٣)، فجعلها مدرسة للشافعية، وأوقف عليها الروضة (^٤)، وحمام الذهب (^٥)، وغيرهما، وكان ذلك في النصف من شعبان.
وفي النصف من جمادى الآخرة أغار شمس الدولة (^٦) -أخو السلطان- على العربان بالصعيد، ثم دخل القاهرة في عاشر شهر رمضان.
_________
(^١) أيلة: مدينة على رأس خليج العقبة على ساحل البحر الأحمر، وهي آخر الحجاز وأول الشام. انظر: معجم البلدان، ج ١، ص ٢٩٢ - ٢٩٣.
(^٢) سجن دار المعونة: يقال له أيضا "حبس المعونة". كانت بالفسطاط. وسميت كذلك لأنها بنيت بمعونة المسلمين ينزلها ولاتهم. وعن تطورها إلى أن حولها صلاح الدين إلى مدرسة للشافعية وما حدث لها بعد ذلك. انظر المقريزي: الخطط، ج ١، ص ٤٦٣؛ ابن دقماق: الانتصار، ج ٤، ص ٩٣؛ النجوم الزاهرة، ج ٥، ص ٣٨٥.
(^٣) منازل العز: بنتها السيدة تغريد أم العزيز بالله بن المعز. وكانت مطلة على النيل. انظر: الخطط، ج ١، ص ٤٨٤ - ٤٨٥.
(^٤) هي جزيرة الروضة التي تقع بين مصر القديمة والجيزة. الخطط، ج ٢، ص ١٧٧ - ١٨٢.
(^٥) حمام الذهب: هذه الحمام كانت بدار الذهب أحد مناظر الخلفاء الفاطميين. انظر: الخطط، ج ٢، ص ٨٠.
(^٦) شمس الدولة: تورانشاه بن أيوب بن شاذي فخر الدين، الملك المعظم، توفي سنة ٥٧٦ هـ/ ١١٨٠ م. انظر: وفيات الأعيان، ج ١، ص ٣٠٦ - ٣٠٩.
1 / 63