11

Dünyanın Sonu

آخر الدنيا

Türler

استمع الناس لكلام نعسة مذهولين حيارى، لا يعرفون بماذا يردون ... يرون حماستها التي انبثقت فجأة، وأسقطت عنها كل خجل وحجاب، واستعدت معها لأن تعترف مثلا أن الشيخ شيخة ابنها، وتذكر لو لزم الأمر اسم أبيه، وتصك آذانهم الحمم الخارجة من فمها، ولا يملكون إزاء ما تقول تصرفا أو حلا.

وكان لا بد أن ينفض الجمع، ويجيء الغد وبعد الغد ... ويبدأ الشيخ شيخة يخرج وحده ويجوب البلدة، ويقف موقفته المشهورة لدى جماعاتها الجالسة أو المنتحية ركنا. ولكن الحديث كان يكف نوعا ما لمقدمه. وإذا استؤنف وبدأ متحدث ما يتكلم، وتطلع أثناء كلامه ناحية الشيخ شيخة، وفاجأه الشيخ بالضحكة الجديدة التي عاد بها، ولدت الضحكة في عقل الرجل كل الظنون وتلعثم وأجبر مرغما على السكوت ... إذن من يدري؟ ربما يضحك الشيخ شيخة منه؛ لكيلة القمح التي لطشها أمامه من الجرن يوم التخزين، بينما هو جالس الآن يتحدث عن السرقة واللصوص. وربما يضحك؛ لعلمه بسر نقطة الدم التي لا تزال عالقة بذيل جلبابه، وقد كان يومها واقفا في نفس المكان. وربما هو يضحك منه؛ لأنه بالأمس فقط كان في مجلس آخر وكان الشيخ شيخة هناك، وكان يتحدث بكلام غير الكلام.

حين جاء الغد وبعد الغد ... بدأ الناس يدركون أكثر وأكثر أن المحظور قد وقع، وأن ضحكة الشيخ شيخة هي الكوة التي فتحت في كل جدار، وأن محتويات مخازنهم الخفية السرية في خطر، وأنهم أمام الشيخ شيخة عرايا من كل ما يسترهم ويحفظ لهم الشخصية والكرامة والكيان ... وأنهم أبدا لا يستطيعون أن يحيوا في بلدة واحدة معه، مع إنسان يعرف عنهم كل شيء ... ويواجههم بضحكته الغريبة البشعة أنى يكونون! •••

وكان لا بد أن يصحو الناس مذعورين ذات صباح على صراخ مدو، صادر عن قلب يعوي ويتمزق، ويقول: يا بني يا حبيبي.

وتسرع الأرجل هالعة إلى مصدر الصوت، فيجدونه ينبعث من الخرابة، ويجدون نعسة صاحبته، ويفاجئون بها تقذفهم بوابل من الطوب والأحجار، وتبكي بحرقة وتلعنهم، وتقول إنه كان طول عمره أصم أبكم، وإن الويل لهم منها. بينما الشيخ شيخة ممدد أمامها غارقا في دمه، ورأسه محطم بحجر.

«أ» الأحرار

وقعت هذه الحادثة في مكتب إحدى الشركات الكائنة في شارع سليمان، واحدة من الشركات ذات الأبواب الزجاجية المصنفرة والمكاتب الصاج الإيديال، والسعاة الذين يرتدون بدلا رمادية، ويضعون على جوانب صدورهم لافتات نحاسية دقيقة الحجم.

في الصباح، وفي الساعة الثامنة تماما، الموظفون جميعا على مكاتبهم، والسعاة على الأبواب، والسكون مستتب مطبق رغم حفيف الأوراق، وتكتكة الآلات الكاتبة والحاسبة. بعد قليل كانت دوامة العمل قد بدأت تدور، والأبواب الموصدة كثر فتحها وإغلاقها، وبدأ الموظفون يتجرءون على الصمت وينطقون. والجو بدأ يحفل بدخان السجائر ورائحتها، غير أن هذا كله كان يدور أيضا خارج حدود لا يتعداها.

وفجأة، وفي حوالي التاسعة، بدأت تصل إلى الآذان ضجة غير عادية صادرة من حجرة السيد عبد اللطيف سالم، رئيس قسم السكرتارية. وأن تسمع ضجة في حجرة السيد عبد اللطيف أمر عادي جدا، ولكن غير العادي أن تحدث هذه الضجة قبل الحادية عشرة صباحا ... فالريس عبد اللطيف كان مريضا بنوع غريب من الربو، وكانت أنفاسه - وبالتالي خلقه - لا تبدأ تضيق قبل الحادية عشرة بأي حال من الأحوال. لهذا كان لا بد أن في الأمر سرا، وليس خلف أبواب الشركة أسرار؛ فالسر الذي وراء الباب يعرفه الساعي الواقف أمام الباب. ومن ساع إلى ساع ينتقل السر حتى يصبح بعد ثوان قليلة خبرا. ولهذا سرعان ما عرف الجميع أن الريس عبد اللطيف يزعق لأحمد رشوان، وعلى هذا أصبح العجب مضاعفا ... زعيق الريس قبل الحادية عشرة، والزعيق لأحمد رشوان الذي لم يسبق لأحد، وخاصة الريس عبد اللطيف، أن زعق له أو احتك به؛ فقد كان أحمد هذا شابا مؤدبا جدا، بل ممكن أن يعد أكثر موظفي العالم أدبا ... وأدبه مقرون بمراعاة تامة للأصول، وما يصح وما لا يصح. وكلمات مثل «من فضل سيادتك»، و«تسمح لي» و«لا مؤاخذة»، و«أشكرك شكرا جزيلا» (باللغة العربية الفصحى)؛ كلمات مثل تلك يستعملها أحمد آلاف المرات في اليوم الواحد. ثم إنه لم يكن جميلا ولا وسيما لتكون لديه مركبات الوسيمين الجميلين، مثل افتعال الحركات للفت نظر السيدات والآنسات من موظفات الشركة، أو المحافظة الزائدة على هندامه والعناية به. كان كما يقال «دوغري وجد»، ولكنك لأمر ما لا تستطيع، كلما رأيته جادا وقورا، أن تمنع نفسك من أن تسخر من جده ووقاره! ربما لأن له أنفا طويلا بارزا مقوسا، ومدببا من أسفل وكأنه رأس خطاف. ربما لملابسه التي يحرص على اختيارها كلاسيكية جدا، فيفصل الجاكتة طويلة وحشمة، والبنطلونات يجعلها واسعة وقورة. وليس معنى هذا أن أحمد جاد طوال الوقت، فهو أحيانا يهزر معك ويضحك، ويستمع إلى النكات الخارجة التي يلقيها زملاؤه. وقد يقرص الواحد منهم في جنبه، ولكنه يفعل هذا خلسة، وكأنما يفعله من وراء نفسه الجادة الوقورة. ثم إنه شهم إذا كان معه نقود سلفك، واطمئن؛ فإنه لن يقترض منك أبدا، فهو في مسائل النقود حريص على أن يحيا في حدود دخله، لا يتعداه بأي حال من الأحوال. وفوق هذا فهو لا يدخن، ولا تعرف إن كان يرتاد السينمات أو لا يرتادها، ولكنه على أي حال فخور جدا بكونه خريج كلية التجارة جامعة القاهرة. صحيح هو يعمل «تايبست» في الشركة، ولكن هذا لا يمنعه من الوعي الدائم بأنه أحسن من زملائه كتاب الآلات الكاتبة الذين لا تتعدى مؤهلات الواحد منهم حدود التجارة المتوسطة أو التوجيهية.

والشغل عند أحمد شغل، والرئيس رئيس، والزميل زميل. أما الزميلات فليس له بهن علاقة؛ إذ هو ضد أن تعمل المرأة إلا مدرسة أو ممرضة. ولا يزال إلى الآن يعتز برأيه هذا، وبأنه أبداه من عشر سنوات، حين كان لا يزال طالبا لمندوب إحدى المجلات الجامعية، حين جاءه يسأل عن رأيه في التعليم المشترك ... يومها ظل قرابة الساعتين يمليه رأيه باللغة الفصحى، وهو يتابع ما يكتبه الطالب المحرر، ويصحح له أخطاءه الإملائية والهجائية والنحوية، ويؤكد له أن المرأة مملكتها البيت، إذا خرجت منه فلا بد أن تضل الطريق. لهذا لا بد أن أحمد قد وجد نفسه في محنة حين عين بالشركة، وعينت معه زميلات له يؤدين نفس عمله. اكتفى حينذاك بأن أزاحهم من خاطره تماما، وكأنهن غير موجودات.

Bilinmeyen sayfa