Keman Çalan Adamın Hüzünleri
أحزان عازف الكمان
Türler
ارتفعت قبضة عصام التي كانت تمسك بشهاب وتثبته من كتفيه، وانتفض جسده الذي فوجئ بظهور الوجهين والصراخ الذي انبعث منهما كأنما صدمه وجه قطار مسود يتصاعد منه صفير وحشي. أفلت الجسد الهائل وارتطم بالأرض كصخرة وقعت من أعلى الجبل، وفي لحظة كانت الكتلة الحية ممددة على البلاط لاهثة الأنفاس، وجسدا المرأتين ينحنيان عليها ويولولان. لم يدر ماذا يفعل. تحرك في اتجاه الباب المفتوح وهو يتمتم بكلمات محمومة تخرج منه ولا يدري إن كانت قد أفرغت شحنات الرعب والأسف والاعتذار، ووجد نفسه في الصالة يتعثر في مشيته ويطارده نشيج الزوجة والابنة: منك لله! منك لله! وفي طريقه المعتم كأنه يجتاز نفقا خانقا إلى باب الشقة وقعت عينه على الباقة التي جلبها معه موضوعة في زهرية من الكريستال اللامع وسط الظلام، والزهور تطل منها كوجوه أطفال موتى يحدقون فيه بعيون متسائلة مذعورة. أغلق الباب وراءه وهو يقول لنفسه: حاولت وحاولت. لكن من قال إنني السيد المسيح؟!
1
الملقن
ماذا جرى لي؟ هل أنا في حلم؟ ألم يكن معي طول الوقت، نتذكر أيامنا ونحكي ونمثل ونضحك ونبكي معا؟ هل تركني وذهب حتى دون كلمة وداع؟ لا لا، لا يمكن أن أكون في حلم. هذه حجرتي البائسة في البنسيون الحقير. الكنبة، والمرآة مع التسريحة، والمائدة الصغيرة المستديرة، وأشيائي وتذكاراتي وصوري المبعثرة في كل مكان، على الحوائط، وفوق الكراسي، وحتى السرير الذي أنام عليه تزاحمني فيه. نعم هذه هي حجرتي، والأصوات التي تأتيني من بعيد هي أصوات الناس في الشارع وضجيج العربات وصيحات الباعة، ما الذي جرى لك يا فاطمة؟ بعد هذا العمر الطويل لا تميزين بين الحلم والحقيقة؟ لأنظر في المرآة لأتأكد أنني لا أحلم ولا أمثل على المسرح. هذه هي أنت ولست أنت. ملكة التمثيل العربي التي لم يبق منها إلا حطام. الوجه الذي جن به العشاق والمعجبون حفرته الأخاديد وامتلأ بالتجاعيد. العيون السوداء الساحرة أصبحت ذابلة منكسرة وتائهة، والشعر الذي كان يميل على الجبهة وينسدل على الظهر أصبح ثلجا منفوشا كشعر عفريتة أو مجنونة، والخدان، والفم الذي طالما خرجت منه الدرر، والبياض والنضارة، والسحر، والعذوبة، والفتنة التي كانت تشع منك وتدوخ الجميع، كله الآن ظلام. ظلام وحطام.
واثقة أنا من رؤيته والكلام معه واستعادة الماضي الذي حضر أمامنا بلحمه وعظمه، واثقة من أنه هو ولا أحد غيره. جبهته العريضة. رأسه الأصلع. عيناه القلقتان، يده المضمومة على الدوام، ويده الأخرى المسنودة إلى خده وجبينه. آه! لا بد أنه غافلني وتسلل إلى الصورة. نعم هذه هي صورته. معلقة على الحائط منذ سنين. آه يا زوجي وأستاذي ومعلمي وملقني وحبيبي الوفي العجوز. أقف الآن أمامك كما أفعل كل يوم. أصابع يدك اليسرى تنقر رأسك الكبير. فمك الدقيق مزموم على نفس التصميم، ويدك اليمنى المضمومة على الجمر كما كنت دائما تقول. أما عيناك المملوءتان مثل كأسين ناصعين بالأسى والحزن مع الأمل والعزم فهما يهربان مني الآن، لكن إلى أين تهربان من تلميذتك وحبيبتك التي لم تكن تمل من الغرق فيهما؟ وكيف تهرب بهما بهذه السرعة وأنت لم تفارقني طول الليل لحظة واحدة. هنا على هذه الكنبة جلست بجانبي وربت بيدك الحنون الصغيرة على كتفي وظهري: ما لك يا فاطمة؟ كفى الله الشر. ثبت نظري في عينيك الحبيبتين ووجهك الأبوي وقلت: هل يرضيك حالي الآن يا عزيز؟ وحدتي وذلي وفقري وهواني على الناس؟ ألأني اعتزلت التمثيل أجوع وأطوف كالشحاذة على مكاتب الموظفين وأعجز بمعاشي الضئيل عن سد رمقي وشراء الدواء الضروري؟ هل يرضيك؟ عدت تربت على كتفي وظهري وتبتسم ابتسامتك الآسرة التي كنت أستمد منها الثقة والشجاعة والأمان، وتحولت ابتسامتك إلى ضحكة قصيرة وأنت تقول: إذا كنت اعتزلت التمثيل فلم تصبحي عدما. ما زلت يا فاطمة حية وملكة متوجة على عرش التمثيل. ما زلت أنت سارة برنار الشرق المتربعة على هرم المجد. لا تقولي هذا ماض ذهب ولن يعود؛ لأنه حاضر في ضمير الزمن يستحيل أن يسرق أحد كنزه المصون. تعالي نقلب معا صور الماضي الحاضر في ذاكرتك وذاكرتي بدلا من البكاء على النفس والأطلال ... هل تذكرين ... قاطعتك بسرعة وأنا أقول: وهل تذكر أنت أول لقاء جمعنا؟ إن كنت نسيت فقد كان على قهوة راديو في عماد الدين. تبتسم كالحكيم الذي لا ينسى. نعم نعم، وكان معك ذلك الشاب النبيل النحيل الذي فقدناه وهو في عز شبابه ومجده. نظر إلي محمد تيمور طويلا وقال بعد أن سمع صوتي وتابع حركاتي وإشاراتي وضحكاتي وصيحاتي؛ قال بصوته الحزين الرزين وهو يلتفت إليك: هكذا أنت دائما يا عزيز، موهبتك الكبرى هي اكتشاف الجواهر الألماس ونفض التراب عنها ... لكن عليك أن تتفق مع أمها وتحضر لها من يعلمها النطق العربي الصحيح. قلت له: لقد أحضرت لها بالفعل معلما من الأزهر، سيعلمها قواعد النحو والصرف ويساعدها على تلاوة ما تيسر من القرآن الكريم. تنحنحت أنا وقلت محتجة: وهل هناك من يجاريني في نطق الشعر؟ هل أسمعك شيئا من شوقي بك أم من أبي العلاء المعري؟ رفعتما الحاجبين في دهشة وذهول، وجلجل صوتي كالرعد حتى توقف المارة وعابرو السبيل وراحوا يستمعون ويصفقون:
أبكت تلكم الحمامة أم غن
ت على فرع غصنها المياد؟
صاح هذي قبورنا تملأ الرح
ب فأين القبور من عهد عاد؟
خفف الوطء ما أظن أديم ال
Bilinmeyen sayfa