ولا نطيل الكلام على القارئ، فإن سليم الهيزلي قدم يوسف إلى مدير المكتب، وتوسل إليه أن يقبله في الوظيفة، فامتحنه المدير بنفسه، وأعجب بمعارفه وبصدق ما بدا من بواطنه، ولم يتردد في توظيفه، فكان يشتغل في المكتب تحت يد سليم الهيزلي؛ لأن هذا أقدم منه. •••
في ذلك المساء كان يوسف منزويا في إحدى القهوات، وهو يعيد تلاوة الرسالة الآنفة الذكر، ويتفهم معانيها كأنها إنجيله الذي يحتاج ترو، ثم تناول ورقة، وجعل يكتب تارة ويشطب أخرى، وبعد التنقيح استقر قلمه على الأسطر الآتية:
ليت الأقدار تفهم فكانت تمدني بقوة وسرعة تكفيان لتلافي تلك الحادثة قبل وقوعها، بحيث لا يبقى لي مسوغ أن أقترب منك.
أنا دائما ضائع الجهد، وإلا لاستطعت أن أوفر عنك ألما، ولكن الذنب ذنب القدر الأعمى فسامحيه وسامحي ضعفي.
حملتني تلك المصادفة واجبا لك، فأنا ضعيف عن القيام به وأنت تبتغين الاستغناء عنه، فأنا سيئ الحظ، وقد عداك سوء حظي، فليت في وسعي أن أزيل هذا السوء عنك.
فاحسبي هذا الحظ السيئ عارضا في حياتك، وأنا أضيف هذا العجز إلى سائر عجزي، ولو كان القدر يفهم وينصف لعداني ألمك، ولكن لا، لعله يفهم وينصف فلا يراني أستحق هذه العدوى.
لا تكوني حليمة؛ فقد يضيع حلمك مع غير أهله. ليتك أطنبت بالتأنيب، فهو عندي إيجاز والإيجاز لا يشبع نفسي
قد تكون هذه الرسالة جسارة مني، ولكني فكرت طويلا فلم أجد نفسي مستغنيا عن هذه الجسارة؛ لتكون ذريعة لشكر حلمك.
في صباح اليوم التالي كان يوسف في باب المنزل السفلي، وهو كل هنيهة يكشف الساعة، ويستبطئ الثواني حتى ضاق ذرعه قبل أن بدت له الفتاة المؤتزرة، فلما أقبلت عليه قال مبتسما: خفت أن لا تأتي. - الوعد دين يا مسيو يوسف. - هل عرفت ليلى بقدومك؟ - استأذنتها. - ألم تزل تتألم؟ - لا تتألم. - رجلها؟ - جاء الطبيب في الحال وفحصها، فقال: إنها مرضوضة رضا خفيفا جدا، فوصف لها مروخا أزال الألم حالا.
فاستغرب يوسف هذا القول المخالف لظاهر نص الرسالة، ثم قال: تنتظر ليلى جوابا لكتابها؟ - لا أدري. - هل فهمت ليلى لماذا أتيت أنت ؟ - قلت لها: إنك ضربت لي ميعادا.
Bilinmeyen sayfa