69

Zuhr Islam

ظهر الإسلام

Genres

76

وبعد نحو مائتي سنة من بنائه زاره ابن جبير الرحالة، وقال: إنه على نهر دجلة، وتتفقده الأطباء كل يوم اثنين وخميس، ويطالعون أحوال المرضى به، ويرتبون لهم أخذ ما يحتاجون إليه، وبين أيديهم قومة يتناولون طبخ الأدوية والأغذية، وهو قصر كبير فيه المقاصير والبيوت، وجميع مرافق المساكن الملوكية، والماء يدخل إليه من «دجلة»، وعلى الجملة فكان مستشفى كبيرا ومدرسة للطب، ولكن عاد الأمر بعده إلى الفساد والخراب.

أما الحركة العقلية والأدبية في دولة بني بويه، فبلغت الغاية في التحصيل والإنتاج، وسنتكلم فيها في محلها من هذا الكتاب إن شاء الله.

عنصر العرب

بجانب هذا النفوذ التركي والنفوذ الفارسي، كان هناك النفوذ العربي، وأظهر ما كان ذلك في الشام والجزيرة، فالعرب الذين هاجروا من جزيرة العرب إلى الشام والعراق كانوا - دائما - قوة سياسية تحسب الخلفاء حسابها. نعم إنهم كانوا كل شيء في العهد الأموي، وضعف سلطانهم في العهد العباسي، ولكنهم كانوا في كل الأحوال قوة لا يستهان بها ، ولما ضعفت القوة المركزية في بغداد شرعت هذه القبائل الهائمة في صحراء الشام ووادي الفرات تحط رحالها، وتنشئ مستعمرات ثابتة، وتحتل المدن والقلاع، وتكون دويلات؛ فكونت قبيلة تغلب دولة الحمدانيين في الموصل وحلب (317ه-394ه)، وكونت قبيلة كلاب دولة المرداسيين في حلب (414-472)، وكون بنو عقيل العقيليين في ديار بكر والجزيرة (386ه-489ه)، وكون بنو أسد دولة المزيديين في الحلة (403ه-545ه).

وهؤلاء العرب مع استيلائهم على المدن والقلاع لم ينبذوا عاداتهم القومية من البداوة وما إليها، واعتزازهم ببداوتهم واحتقارهم لأهل الحضر، ومن طريف ما يروى في ذلك أن قرواشا العقيلي صاحب الموصل (من الدولة العقيلية) قال مرة: «ما في رقبتي غير خمسة أو ستة من البادية قتلتهم، وأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم.»

وأهم هذه الدول العربية التي تجلت فيها العصبية العربية، واشتبكت مع العصبية التركية والفارسية هي دولة بني حمدان التغلبية؛ فقد عظم نفوذها بالموصل وحلب، وأرادت الاستيلاء على بغداد وطرد النفوذ التركي والفارسي، واستخلاص الخليفة لهم، وجرت في ذلك سلسلة حروب طويلة.

فالخليفة المتقي بالله، احتمى بناصر الدولة بن حمدان وقلده إمرة الأمراء، وخلع عليه وعلى أخيه سيف الدولة بن حمدان، ودخل ناصر الدولة بغداد باحتفال عظيم، ولكن ثورة الأتراك - على رأسهم «توزون» - تغلبت على ابن حمدان، وولي الخليفة إمرة الأمراء لتوزون، واستمر العداء والقتال بين العرب وعلى رأسهم ابن حمدان، وبين الترك وعلى رأسهم توزون.

فلما استولى البويهيون الفرس على بغداد لم ينقطع الخلاف والقتال بين الحمدانيين والبويهيين، ولما رأى ناصر الدولة بن حمدان استيلاء معز الدولة على بغداد، وسلبهم جميع حقوق الخليفة، جهز جيشا لقتال البويهيين، وساعده على ذلك فرق من الجيش التركي، ودام القتال طويلا، وتقدم الحمدانيون إلي بغداد واستولوا على جانبها الشرقي، وأخيرا انهزم ناصر الدولة الحمداني وعاد إلى مقره.

وكذلك اشتبك الحمدانيون في قتال مع البويهيين أيام عضد الدولة، فهزم الحمدانيون أيضا.

Unknown page