وهذا غير صحيح.
لأن الفوضوية إنما تنكر «التسلط» كما قال الطالب النجيب في خطابه، ولكنها لا تنكر الهيئات التي تتولى الأعمال العامة بالمشاركة والمشاورة، ولا تلغي هيئة واحدة لازمة للتعليم أو لصيانة الصحة أو لإدارة المصانع أو لتوزيع المطالب والحاجات.
ودعوة برودون على الخصوص قائمة على لزوم هذه المصالح العامة واستغنائها عن «المتسلطين»، الذين يعتمدون على القوة دون غيرها في تغليب مصلحتهم على سائر المصالح الاجتماعية.
وقد ألف كتابه «ما هي الملكية؟» ليقول إنها هي السرقة، ويقول من ثم إن اغتصاب السارقين للثروة المشتركة يضطرهم إلى اغتصاب آخر لحفظ ما سرقوه في أيديهم، وهو اغتصاب «السلطة» واحتكار الشريعة والقانون.
وعند برودون أن اغتصاب الملكية واغتصاب السلطة هما الباعث الأكبر على الجريمة والفساد؛ فحيث لا اغتصاب ولا إجرام ولا فساد، لا حاجة إلى التسلط والمتسلطين.
وهذا الرأي قد بطل عند علماء السياسة وعلماء الاجتماع كما قال الطالب النجيب؛ لأن الدراسات النفسية والمقارنات الاجتماعية بين المجتمعات الأولى والمجتمعات الحديثة، قد عرفت الناس ببواعث الجريمة ولم تحصرها في البواعث الاقتصادية.
ولا تدعو إلى القتل
ومن الشائع عن الفوضوية أنها تدعو إلى القتل أو إلى الاغتيال السياسي لتحقيق برنامجها.
وهذا أيضا من الإشاعات التي تصدق على نفر قليل من الفوضويين ولا تصدق على الحركة كلها، وقد بدأ الاغتيال السياسي قبل عصر برودون وعاش بعده، ولم يكن موقف الدعاة الكبار منه موقف التأييد والتقرير إلا على سبيل الإغضاء والاضطرار.
والنفر القليل الذي يدين بالاغتيال السياسي بين الفوضويين يطلق على الاغتيال اسم «الدعاية بالفعل» أو الدعاية المثيرة، ويعتقد أن حوادث الاغتيال تنبه الأذهان إلى مقاصد الفوضوية، فيتساءل عنها من يجهلها ولا يباليها، ويفهمها الناس من طريق هذا التساؤل فيقبلون عليها.
Unknown page