الحمد لله، كل شيء طيب لولا حزن علوان. ربيع هذا العام لطيف نادر الخماسين، فمتى يسلو علوان وينسى؟ الحمد لله؛ فاليوم يمضي بين العبادة والتلاوة والطعام والأغاني والأفلام. عند الثمانين نتوقع قدوم ضيف لا ريب فيه، فاللهم حسن الختام. اللهم جنبنا العجز والأوجاع، وانشر ندى رحمتك في أركان هذا البيت القويم. ودنيا الله جميلة خليقة بكل حب، فأي روح شريرة قد حلت بها؟! السماء والنيل والأشجار وأسراب الحمام وهذا الصوت المليح،
إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون
ولو تركت وشيخوختي لكنت سعيدا، ولكني لا أترك في سلام. سقيا لعهد الإيمان الساذج كما تذكره الذاكرة، وعهد الشك ومنازعاته ما أثراها بفتنة اليقظة، وعهد الإلحاد وتحدياته وغناها بالشجاعة والاقتحام، وعهد العقل وحواره الدائم، وأخيرا عهد الإيمان والأمل. أصبح الموت آخر المغامرات الواعدة، مناجاته تهون حمل الأعباء على الحامل. سيجيء في ساعة ما سافرا عن وجهه، وسوف أقول له بكل مودة: اقطف الثمرة وهي في تمام نضجها. يوما كنت أحدث علوان عن المسلسل التليفزيوني الجديد، فقال لي: جدي، أهنئك على راحة بالك.
أزعجني قوله، فقلت له: في صوتك احتجاج يا علوان.
فضحك في حياء ولم ينبس، فقلت: توجد مرحلة أخيرة اسمها الشيخوخة، إني أمد يدي لأقبض على حلقة الثمانين في مرقى الجبل؛ فمن حقي أن أركز على خلاصي تاركا هموم وطني لبنيه. وقد قمت بالتزاماتي في حينها على قدر استطاعتي، وحاولت جهدي على حملك على الالتزام، وما زلت أحذرك عواقب الشيخوخة المبكرة. إن قاموسك لا يحوي إلا بطلا شهيدا واحدا. قضيت فترة متلقيا مسحورا، وتقضي الأخرى متحسرا حائرا، أقل ما أقوله عن نفسي: إني شهدت من تلاميذي ثلاثة من الوزراء.
فتساءل ضاحكا: أتعد ذلك من حسناتك يا جدي؟
فما تمالكت من الضحك عاليا وقلت: إن تكن الأخرى فلندع الحكم للتاريخ، أمامكم تحديات خليقة بأن تخلق أبطالا لا حائرين!
وربت ذراعه بحنان ثم واصلت: قم بواجبك في حينه حتى تفرغ ذات يوم لطريق الله وأنت مطمئن الضمير.
لو وهبني الله نعمة الكرامات لأوجدت له شقة ومهرا، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة. إنه الآن يصارع ألمه وجراحه، وما أملك له إلا الدعاء. وأذكر سخريات سليمان مبارك والد رندة في زمن مضى: ترى هل نسي الدرويش الماكر عهد فسقه ومجونه؟
فقلت له باسما: حل الحب محل الخوف فيما بيني وبين ذي الجلال. - تنافس إبليس بالطول والعرض ثم تطمح إلى الغفران! - حتى عهد المجون أعتبره من أطيب ذكريات الحياة. فصاح الرجل ساخرا: اشهدوا يا هوه .. واعجبوا لهذا الدرويش المودرن. - يا مخرف، لقد بلغت في الطريق درجة من الوعي أجد فيها عند أغنية «حبايبي كتير يحبوني لكن إنت اللي شاغلني» روحا من الصوفية.
Unknown page