فرواية من الروايات المكشوفة تترجم أو تؤلف قد تطبع منها عشرات الألوف، وقد تباع للصور المتحركة، وقد تستهوي من القراء والقارئات من ليس يستهويهم تاريخ أمة أو سيرة عظيم ...
وهذه الروايات أسهل في تأليفها أو ترجمتها من الكتب، التي تراجع من أجلها المصادر الكثيرة بين عربية وأوروبية، ولا تخلو من عنت في التمحيص والتحضير.
ولكننا نعدل عنها إلى الموضوعات التي هي أصعب منها، وأقل رواجا بين قرائنا.
بل نعدل عنها ونحن نعلم أن المدجلين بالروايات المكشوفة يسوقونها مساق الفتوح العصرية، والجرأة الفكرية، ويعدونها من دلائل النزعة الحديثة والنهضة المقبلة، والتحرر من التراث العتيق، والطلاقة من القيود، وإننا لا نسلم من اتهام هؤلاء الأدعياء لنا بالجمود أو مصانعة الجامدين إذ نكتب في سيرة الصديق والفاروق.
فلو كان الرواج مغريا لنا لكانت الكتابة في هذه الأغراض المقبولة أولى وأجدى.
ولو كان الرواج مغريا لنا لما حاربنا المذاهب التي وراءها دول ضخام تكافئ من يدعو إليها ويبشر بأناجيلها. ولا نظن أن الكاتب النابه ينكر علينا أن تلك الدول تعرف قيم الأقلام التي تستخدمها في دعوتها، وتحب أن تستخدم منها ما ينفعها.
فنحن نكتب ما نريده ولا يعنينا أن يروج أو لا يروج، وواجبنا الذي نلتزمه في الكتابة - ولا نعرف واجبا غيره - هو أن نعنى بالموضوع الذي نتصدى له، ونحس القدرة عليه.
ولسنا نقترح على الكاتب النابه أن يعدل عن اقتراحه إذا كان مؤمنا بصوابه؛ ولكننا نقول: إننا لو عملنا به لما عدمنا مقترحا آخر يقول: ما هذه الحوادث اليومية التي تخوضون فيها، وقد رأيناها أو سمعنا من رآها؟ دعوا هذا واكتبوا لنا شيئا من عجائب المجهول ...
ويومئذ لا تكون حجته أضعف من حجة الكاتب النابه صاحب الاقتراح.
الفصل السادس والثلاثون
Unknown page