إننا نرى كل يوم في العصر الحاضر أن صوتا يصدر من أمريكا أو اليابان، ويسمع في مصر كما يسمع فيها حديث الجلساء، ولولا المذياع لعددنا من يزعم هذا الزعم ممخرقا يعبث بعقول سامعيه.
فإذا جاز سماع الصوت على هذه المسافات الشاسعة بجهاز من الأجهزة المصنوعة، فلماذا يمتنع على قوي الذهن أو قوي الشعور أن تحس على هذه المسافة، أو تتصل بنفس أخرى وذهن آخر متى تهيأت لها أسباب اتصال؟
فالتصديق بالتلباثي لا يدعونا إلى اختراع حس جديد أو ملكة غيبية من وراء الطبيعة، ولكنه يدعونا إلى تصديق هذا الحس الذي نباشره كل يوم في مختلف شئون الحياة، مع السماح له بالامتداد والتكبير، وهما غير ممنوعين ولا مناقضين للمعقول أو المشهود.
والحس نفسه لا يقل في غرابته عن «التلباثي»، كما يقول بها أشد الغلاة المؤمنين بها من النفسانيين.
فأنت تفتح عينيك فترى.
شيء بسيط جدا في حسابنا، بل هو أبسط شيء يخطر على بالنا ... افتح عينيك تر! ... أي شيء أبسط من ذلك وأبعد من الغرابة؟
نعم هو كذلك؛ لأننا نعالجه ونرى الألوف ممن يعالجونه كل لحظة، ولا يخطر لنا أننا نأتي بشيء غريب.
ولكننا إذا رجعنا إلى أنفسنا فسألناها: ما هي الرؤية؟ وما هو معنى القوة العجيبة التي تحيط بشيء على مسافة منك، وتعرف ما لونه وما شكله وما أثره وما حركاته وسكناته، ولا صلة بينك وبينه إلا الضياء؟
نسأل أنفسنا في هذا ونفكر مليا في معناه فنستغرب النظر من قريب، كما نستغرب النظر من بعيد، ونعلم أن معجزة الحس حاصلة قبل أن نسمع بالتلباثي والتليفزيون وما إليها من وسائل الإحساس.
وما قربنا المسألة حين نقول: إننا ننقل الأشياء إلى حسنا بالنظر؛ لأن بيننا وبينها الضياء، إذ ما هو الضياء؟
Unknown page