335

ولما علم السلطان من نيته في إرجاء القتال وتأخير النزال، دلف إلى عدو الله عز وجل «1» بقلوب قد صقلها التوحيد، وبشرها الوعد وأنذرها الوعيد، ورماهم بالصيلم «2» من رجالة الديلم، وبالشياطين من الأفغانية المطاعين، رجال كالآجال مطوحة بالنفوس، مذللة للأعين الشوس، أو كالليوث «3» أخرجها الجوع، وأعياها «4» إلى أشبالها الرجوع، ينفذون في الأسداد «5» نفوذ المثاقب في العيدان، أو البيارم «6» في الحيطان، ويفرعون البواذخ كالوعول، وينزلون عنها كمنحدر السيول. وواصلها عليهم أياما تباعا، يجذبهم بصدق البراز إلى البراز «7»، جذب النار للسليط «8»، والمغناطيس للحديد، فكلما فارقوا تلك المضائق، التقطهم الفرسان كما تلتقط الأفراس بيادق، ولم تزل هذه حالهم حتى انضم إلى اللعين أكثر من والاه، ولباه معظم من دعاه، وعند ذلك «9» احتشد للبروز مستندا إلى الجبل، من حوله الأفيال كالقلل، فجد المصاع، واحتد القراع، وحمي الوطيس، واستوى المرؤوس والرئيس، وصار اللقاء كفاحا، فمن آخذ بالتلابيب «10»، ومناقر كاليعاقيب «11»، ومضارب ما بين الرؤوس إلى العراقيب، [189 ب] وكلما أشليت «12» الفيلة للتهويل والتفخيم، والحطم بالأظلاف والخراطيم، مطرتها سحائب الزانات «1» متلوية كالأراقم، منسابة إلى حدق العيون أو ثغر الحلاقم. ورأى الكافر موقع أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الطائي من الغناء، وضراوته بإسالة الدماء، فانتحاه بأخشن من في جملته شوكة، وأعظمهم شكة، حتى أثخنوه ضربا على الهام، وحطما من خلف وقدام، وهو كالحرون ثابت لا يمل شرف مقامه، ولا يكل دون الضرب بحسامه، متسمحا بالروح في نصرة الدين وطاعة رب العالمين.

ورأى السلطان إنحاء الكفرة عليه، فأمده بكوكبة من خواصه لا ستخلاصه، فاستنقذوه إلى السلطان ممشوقا بالسيوف، منقوطا بالأسنة كالحروف، فأمر له بفيل يستريح إلى سعيه عن ألم الجراح بجوارحه، فصار ملكا له يتميز به عن أعيان أهل عسكره.

Page 349