وكذلك شأن سكان البلاد العربية فهم يتكلمون لغة واحدة ويدينون بدين واحد، وقد حكم أجدادهم العالم ونشروا ألوية الحضارة من عواصمهم بغداد، دمشق، القاهرة، والقيروان، وسجل التاريخ لهم من المفاخر والأمجاد ما جعلهم جديرين بأن يتحدوا وأن يقيموا لهم دولة تخدم الحضارة وتساهم في العمل على استقرار السلم العالمي.
فإذا أردنا إذن أن نجاري من يقول: إن التاريخ يعيد نفسه؛ فإننا نستطيع أن نفسح مجال المقارنة بين إيطالية بعد حروب نابليون والبلاد العربية بعد الحرب العالمية الأولى، وأن نستند إلى هذه المقارنات فنجزم بأنه لا بد للوحدة العربية من أن تتم كما تمت الوحدة الإيطالية شاء الناس أم أبوا ذلك.
ولكننا نرى أن قضية العرب في تأسيس وحدتهم لا تحتاج إلى كل هذه المقارنات؛ فنحن لا نريد أن نجاري القائلين بأن التاريخ يعيد نفسه فنقضي الوقت بالتفتيش على أوجه الشبه بين البلاد الإيطالية والبلاد العربية، وإنما نود أن نقول إن العرب يستندون في الدفاع عن قضيتهم إلى حقائق ملموسة ودلائل قوية:
أولا:
كان العرب في العهد العثماني يتمتعون بكل الحقوق التي كان يتمتع بها الأتراك، ولم يشعروا قط بأنهم أمة محكومة، وكان يتسنى للعربي أن يكون واليا أو قائدا أو حاكما، فلم ير العربي حينذاك حاجة للمطالبة بالانفصال أو بالاستقلال.
ولما أخذ غلاة الأتراك بعد إعلان الدستور يستأثرون بالحكم ويدعون بأن الأمة التركية هي الأمة الحاكمة وأن الأمم الأخرى هي المحكومة؛ كان لزاما أن يكون لهذه الدعوة رد فعل في نفوس العرب فراح عقلاؤهم يفكرون في مصير بني قومهم ويطالبون بالإصلاح تارة وباللامركزية تارة أخرى، ثم استهدفت الجمعيات العربية السرية بعد حرب البلقان الحكم الذاتي غاية لمساعيها.
والذي لا شك فيه أن العرب كانوا في العهد العثماني أحرارا في بلادهم، وظلوا يشاركون الأتراك الحكم والسيادة، لا كما يزعم رجال الاستعمار بأن العرب ظلوا مستبعدين مدة طويلة، ثم يتخذون هذا الزعم ذريعة لهم يسوغون بها احتلال البلاد العربية لاستعمارها!
ثانيا:
حين أدرك العرب أن الحلفاء قد نكثوا في عهدهم، وحرموهم نعمة الاستقلال وجزءوا بلادهم، حتى بلغ أمر هذه التجزئة في دور من أدوار الانتداب البغيض أن تأسست ثماني دول في سورية وحدها؛ ثاروا في كل قطر ولم يعترفوا بالانتداب قط.
وكانت أولى الثورات التي نشبت في البلاد العربية الثورة المصرية سنة 1919، وقد طالب قادتها بالاستقلال، ثم تلتها الثورة العراقية التي نشبت سنة 1920 ودعا رجالها إلى إنهاء الحكم العسكري وإقامة الحكم الوطني.
Unknown page