سلوت ولكن زدن جمرا إلى جمر
بحثت عن هذا الجسر، ولم أجده، فوا أسفاه، وإنما وجدت جسرا سموه جسر مود “Maude”
وهو اسم قائد من قواد الإنجليز الذين دخلوا بغداد فاتحين.
فيا رئيس حكومة العراق تفضل وسم الجسر الجديد (جسر بن الجهم) مراعاة لخواطر الشعراء.
وهدوء الماء في نهر دجلة يجعله من أصلح الأنهار للملاحة النهرية، ولكني بعد الدرس رأيت الملاحة في دجلة تنعدم أو تكاد، فقد تمر ساعات وساعات ولا تقع العين على سفينة واحدة في ذلك النهر الميمون الغدوات والروحات.
أما الفلك الصغيرة التي يمتطيها اللاهون والعابثون فلا تزال على العهد الذي عرفه الشاعر المفضال أبو نواس، ولكن قلما يغني فيها الملاحون كما كانوا يفعلون في الأيام الخوالي، وقد ساهرت النجم ليلتين على شاطئ دجلة لأسمع غناء الملاحين، ثم انصرفت وقد كادت أذني تصم من سكون الليل.
وحملني حب الدنيا على التفكير في بناء بيت على شاطئ دجلة فعرفت أن المتر المربع يباع بنحو دينارين، وكذلك عرفت أن أهل بغداد يعرفون قيمة الأرض على شاطئ ذلك النهر الجميل. •••
وكنت أنتظر أن تكون بغداد مدينة يغلب عليها اللهو واللعب والمجون، فرأيتها أعجوبة الأعاجيب في الجد والنشاط، ولقد زرت نحو عشرين مدينة من المدن العالية فلم أر من صور الجد والاهتمام والمصابرة معشار ما رأيت في بغداد، فحيثما نظرت رأيت ناسا يعدون إلى أعمالهم عدو الظليم، وشهدت الناس يغدون ويروحون وعلى وجوههم أمارات الجد الرزين، والمدارس في بغداد هي اليوم مصانع لسبك الرجال، ويندر أن تجد شابا يضيع وقته على نحو ما ترى في بعض مدارس القاهرة أو مدارس باريس.
والبغداديون يمتلكون مدينتهم تمام الامتلاك، فهم السادة الأعلون، ولا يسود في مدينتهم من الأجانب إلا عدد قليل، وسيكون من حظهم في المستقبل أن يقولوا نحن حضرنا مدينتنا ولم يساعدنا على تحضيرها واغل من العالم القديم أو العالم الجديد.
ولقد شهدت آثار هذا الجد حين رأيت تلاميذي في دار المعلمين العالية، فهم شبان أذكياء تكفيهم اللمحة، ولا أحتاج في تفهيمهم أدق المشكلات إلى أدنى عناء.
Unknown page