وبالجملة فتقريب المدعى من عدم الحرمة الشرعية للفعل المتجرى به بما ذكره المتوهم من عدم فعل الاختياري هنا في البين غير سديد ، فالحق في تقريبه هو ما ذكرنا من أن العناوين المجتمعة في هذا الفعل إنما يكون بين ما لا نزاع في عدم حرمته وما لا يمكن حرمته لعدم القدرة عليه وخروجه عن الاختيار وما لا يمكن حرمته لأجل عدم إمكان تعلق النهي المولوي به مع كونه مقدورا واختياريا وهو عنوان ارتكاب مقطوع الحرمة مع قطع النظر عن المصادفة وعدمها.
وأما إن كان النزاع في التجري في القبح العقلي فربما يقال (1) بأن الفعل المتجرى به أعني شرب المائع مثلا وإن لم يكن بعنوانه الذاتي الواقعي وهو شرب الماء مثلا قبيحا ، إلا أنه بعنوانه الطاري الثانوي وهو شرب المقطوع الخمرية قبيح عقلا ، ويكون هذا من الوجوه والاعتبارات التي يختلف بها الحسن والقبح ؛ فإن العناوين الحسنة والقبيحة على ثلاثة أقسام بحسب الحسن والقبح :
أحدها : أن يكون علة تامة لأحدهما وهي العناوين الأولية مثل الإحسان والظلم.
والثاني : ما يكون لو خلي وطبعه حسنا أو قبيحا ولا ينافي الاتصاف بالضد لعارض مثل الكذب ؛ فإنه بحسب ذاته قبيح يعني فيه اقتضاء القبح ، ولو كان منجيا للنبي مثلا صار حسنا.
والثالث : ما لا يكون فيه اقتضاء شيء منهما كمطلق حركة اليد مثلا ؛ فإنه لا بد في اتصافه من عروض عنوان ضرب اليتيم للإساءة أو عنوان ضرب اليتيم للتأديب مثلا عليه.
وانقسام الأشياء إلى هذه الثلاثة أمر وجداني من الواضحات وليس قابلا للنزاع ، وما وقع بينهم من النزاع في أن حسن الأشياء وقبحها ذاتي أو يكون بالوجوه والاعتبار لا بد من التسالم بين مترافعيه بأن مراد الأول أن ضرب اليتيم للإساءة مثلا يكون ظلما فيكون قبيحا ذاتيا ، بعبارة اخرى كل شيء اتصف بأحدهما
Page 376