الثاني مؤاخذته على شرب الخمر كما يصح في المثال الأول.
والحاصل أن الفعل إذا كان مجمعا لعناوين متعددة وكان جميع تلك العناوين ملتفتا إليها ، ولكن كان الداعي إليه أحد تلك العناوين أو عنوانا اعتقاديا غير موجود فيه واقعا في جميع تلك العناوين مقدورة واختيارية ، سواء كانت عرضية كما لو ضرب شخصا عالما هاشميا لكونه ابن عمرو مثلا مع الالتفات إلى علمه وهاشميته ، فيصح ذمه على ضرب العالم والهاشمي وإن لم يكن بهذا العنوان داعيا له ، أو كانت حلولية كما لو حرك اليد بقصد الضرب فقتله فيصح ذمه على مطلق حركة اليد الذي هو الجامع بين الضرب والقتل وإن لم يكن بعنوانها مقصودة ، بل بعنوان أنها ضرب.
فكذا في ما نحن فيه أيضا ؛ فإن من يشرب المائع باعتقاد أنه خمر وليس بخمر يلتفت إلى حيث ما يعينه وإن كان الداعي إليه خصوص الخمرية ، فلو كان مطلق شرب المائع ممنوعا صح مؤاخذته والقول له : لم شربت المائع مع العلم بحرمته ، فالمعيار في صحة المؤاخذة والتكليف كون العنوان ملتفتا إليه وإن كان الداعي شيئا آخر ؛ إذ بمجرد الالتفات يصير قادرا على الفعل والترك لأجل هذا العنوان ، ولا يطلب لصحة التكاليف إلا الاختيارية بمعنى القدرة على طرفي الفعل والترك ، فيصح النهي بمجرد صلاحية العنوان لأن يصير بسبب النهي رادعا للفاعل عن الفعل ، ويصح العقاب على الفعل وإن لم يكن مأتيا بداعي هذا العنوان ؛ لعدم ارتداعه مع الالتفات إلى العنوان المحرم.
هذا مع أن المتوهم سلم الاختيارية لمجرد الإرادة التبعية للخاص والأصلية للعام كالمثال الذي ذكرنا من كون الداعي شرب المائع البارد وشرب الخمر لكونه كذلك مع الالتفات إلى خمريته ، وهذا عكس ما نحن فيه ؛ فإن الداعي هنا شرب الخمر وشرب المائع ملتفت إليه ومراد بالتبع ، فإن كان المعتبر هو خصوص العنوان الداعي ولم تكن الإرادة التبعية كافية في الاختيارية لزم عدم الكفاية في عكس ما نحن فيه أيضا كمثالنا ، وإن كانت كافية لزم الاكتفاء بها في المقامين ، فالفرق لا وجه له.
Page 375