243

Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya

أدباء العرب في الأعصر العباسية

Genres

وأبدع في وصف الأخلاق وتصوير الحياة والأشخاص، وصوره مادية واقعية، قلما بث فيها روحا أرفع من روحها، ولكنه يرفعها بالإغراق والتكبير وجمال الفن؛ فما أسده أسدا عاديا ولا شخصه إنسانا بشريا ولا جيشه جيشا مألوفا، وإنما هي أشياء متطرفة عن حدودها تطرف نفسه الجبارة وخياله العنيف الجامح.

وقد وصف الأسد في قصيدة مدح بها بدر بن عمار لما عفر الليث بسوطه ودار به الجيش. ومثل هذه المشاهد الراعبة تثير إعجاب أبي الطيب، فبالغ في وصف الأسد ما شاءت له شاعريته وشاء خياله المبدع. وهذه المبالغة كلها مدح لبدر لأنه أذل بسوطه ليثا هصورا نضد هام الرفاق تلولا. ووصف المعارك فكان كما قال فيه ابن الأثير: «إذا خاض في وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها، وأشجع من أبطالها، وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها، حتى يظن أن الفريقين قد تقابلا، والسلاحين قد تواصلا.»

وهذه المعارك هي التي شهدها مع سيف الدولة، فأجاد وصفها، ولم يبرع في وصف الحروب إلا عند صاحب حلب.

ووصف الجيوش والمعامع أروع شعر المتنبي وأفخمه، ولولاه لما جاءت مدائحه في سيف الدولة أجل من مدائحه في غيره، فقد كان مصورا بها لحروبه، ومؤرخا ومخلدا. ومن العدل أن نقول إنه لو لم تجتمع عبقرية المتنبي، وهمة سيف الدولة في الحروب، لما خرج هذا الشعر الرائع.

فلسفته وآراؤه في الحياة

للشعر أغراض متفاوتة يمتاز بعضها من بعض، ويعلو بعضها على بعض، ونرى أن أعلاها ثلاثة؛ فالأول: الغزل وما يتبعه من تشبيب بمحاسن المحبوب وتصوير لأخلاقه، ووصف لمشاعر النفس في حالتي اللذة والألم، والثاني: وصف الطبيعة، واستجلاء أسرارها، والاتصال بمحاسنها وألوانها، الثالث: النظر في الحياة، وما يتعلق بها من عادات الناس وأخلاقهم، وطبائعهم وأذواقهم، ولذاتهم وآلامهم، وتآلفهم وتخالفهم ، وسياساتهم واجتماعاتهم. فإذا قسنا العبقرية في الشاعر على هذه الأغراض الثلاثة، فالمتنبي خاسر في الغرضين الأولين، رابح في الثالث، بل معتصب بأمجد أكاليل العبقرية، متبوئ أعلى مراتبها. فهو لا جرم فيلسوف الحياة؛ لأن فلسفته مأخوذة من صورها وأسفارها.

49

فقد كان لأبي الطيب من حياته وحياة عصره عبر ومواعظ أعمل فيها فكره، وبنى عليها آراءه. وكان له من اطلاعه على الفلسفة العربية اليونانية عون على إبراز فكره ناضجا، مشبعا بالأحكام السديدة، فكتبت له فلسفته صك الخلود، وسارت أمثاله على أفواه الأجيال تطوي وراءها العصور والقرون.

والمتنبي - كما علمت - يحب القوة فغير عجيب أن تقوم آراؤه في الحياة على تعظيمها. وتعظيم القوة يكاد يكون من خصائص الفلسفة العربية منذ طورها الجاهلي إلى عصر أبي الطيب. فقد كان العرب في بداوتهم يعيشون بالغزوات والغارات، فجاءت حكمة شاعرهم ممزوجة بالقوة كما قال زهير:

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه

Unknown page