Turuq Hukmiyya
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية
Publisher
مكتبة دار البيان
Edition Number
بدون طبعة وبدون تاريخ
وَلِهَذَا يُدْفَعُ بِالنُّكُولِ وَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَاللَّوْثِ وَالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ، فَدُفِعَ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَقَوِيَتْ شَهَادَتُهُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي. فَأَيُّ قِيَاسٍ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَأَوْضَحُ؟ مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلنُّصُوصِ وَالْآثَارِ الَّتِي لَا تُدْفَعُ.
٢٦ - (فَصْلٌ)
وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ قُضَاةِ السَّلَفِ الْعَادِلِينَ إلَى الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، إذَا عُلِمَ صِدْقُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: رَوَيْنَا عَنْ عَظِيمَيْنِ مِنْ قُضَاةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ: شُرَيْحٌ، وَزُرَارَةُ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ، أَنَّهُمَا قَضَيَا بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ. وَلَا ذِكْرَ لِلْيَمِينِ فِي حَدِيثِهِمَا.
حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَجَازَ شُرَيْحٌ شَهَادَتِي وَحْدِي. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: شَهِدَ أَبُو مِجْلَزٍ عِنْدَ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: فَأَجَازَ شَهَادَتِي وَحْدِي. وَلَمْ يُصِبْ.
قُلْت: لَمْ يُصِبْ عِنْدِي أَبُو مِجْلَزٍ، وَإِلَّا فَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ، وَإِنْ رَأَى تَقْوِيَتَهُ بِالْيَمِينِ فَعَلَ. وَإِلَّا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ. وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمَّا حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْيَمِينَ، بَلْ قَوَّى شَهَادَةَ الشَّاهِدِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي " السُّنَنِ ": بَابُ إذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَشْيَ، وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ، فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الْأَعْرَابِيَّ، فَيُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ، وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ابْتَاعَهُ، فَنَادَى الْأَعْرَابِيُّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: إنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسَ وَإِلَّا بِعْتُهُ، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الْأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: أَوَلَيْسَ قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْك؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَا وَاَللَّهِ، مَا بِعْتُك، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: بَلَى، قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْك. فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا، فَقَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَايَعْتَهُ. فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى خُزَيْمَةَ، فَقَالَ: بِمَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: بِتَصْدِيقِك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عِدَّةُ فَوَائِدَ: مِنْهَا: جَوَازُ شِرَاءِ الْإِمَامِ الشَّيْءَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ. وَمِنْهَا: مُبَاشَرَتُهُ الشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ الشِّرَاءِ مِمَّنْ يَجْهَلُ، وَلَا يَسْأَلُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَ بِلَازِمٍ.
1 / 68