Al-ṭuruq al-ḥukmiyya fī al-siyāsa al-sharʿiyya
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية
Publisher
مكتبة دار البيان
Edition
بدون طبعة وبدون تاريخ
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ» أَيْ عَنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، وَالنَّاسُ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ، فَأَوْجَبَ بَذْلَهُ مَجَّانًا، وَمَنَعَ مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» .
وَلَوْ احْتَاجَ إلَى إجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؟ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَالْإِجْبَارُ: قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃.
وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: " إنَّ زَكَاةَ الْحُلِيِّ عَارِيَّتُهُ، فَإِذَا لَمْ يُعِرْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زَكَاتِهِ "، وَهَذَا وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. قُلْتُ: وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَإِنَّهُ لَا يَخْلُو الْحُلِيُّ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ. وَالْمَنَافِعُ الَّتِي يَجِبُ بَذْلُهَا نَوْعَانِ، مِنْهَا: مَا هُوَ حَقُّ الْمَالِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْخَيْلِ، وَالْإِبِلِ، وَالْحُلِيِّ، وَمِنْهَا: مَا يَجِبُ لِحَاجَةِ النَّاسِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ بَذْلَ مَنَافِعِ الْبَدَنِ تَجِبُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، كَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ، وَإِفْتَاءِ النَّاسِ، وَالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَالْجِهَادِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِ الْأَبْدَانِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ إنْسَانٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّصَهُ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ - مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ - أَثِمَ وَضَمِنَهُ.
فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ بَذْلِ مَنَافِعِ الْأَمْوَالِ لِلْمُحْتَاجِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢]
1 / 219