Al-ṭuruq al-ḥukmiyya fī al-siyāsa al-sharʿiyya
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية
Publisher
مكتبة دار البيان
Edition Number
بدون طبعة وبدون تاريخ
حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» .
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ فِي النَّوْعِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى: هُوَ الْمَعْرُوفُ بِوِلَايَةِ الْحِسْبَةِ.
وَقَاعِدَتُهُ وَأَصْلُهُ: هُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، وَوَصَفَ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ، وَفَضَّلَهَا لِأَجْلِهِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ الَّتِي أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَادِرٍ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْقَادِرِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ ذَوِي الْوِلَايَةِ وَالسُّلْطَانِ، فَعَلَيْهِمْ مِنْ الْوُجُوبِ مَا لَيْسَ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ مَنَاطَ الْوُجُوبِ: هُوَ الْقُدْرَةُ، فَيَجِبُ عَلَى الْقَادِرِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاجِزِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
وَجَمِيعُ الْوِلَايَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ: مَقْصُودُهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، لَكِنْ مِنْ الْمُتَوَلِّينَ مَنْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ الْمُؤْتَمَنِ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ: الصِّدْقُ، مِثْلُ صَاحِبِ الدِّيوَانِ الَّذِي وَظِيفَتُهُ: أَنْ يَكْتُبَ الْمُسْتَخْرَجَ وَالْمَصْرُوفَ، وَالنَّقِيبِ وَالْعَرِيفِ الَّذِي وَظِيفَتُهُ: إخْبَارُ وَلِيِّ الْأَمْرِ بِالْأَحْوَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْآمِرِ الْمُطَاعِ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ: الْعَدْلُ، مِثْلُ الْأَمِيرِ وَالْحَاكِمِ وَالْمُحْتَسِبِ.
وَمَدَارُ الْوِلَايَاتِ كُلِّهَا: عَلَى الصِّدْقِ فِي الْإِخْبَارِ، وَالْعَدْلِ فِي الْإِنْشَاءِ، وَهُمَا قَرِينَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا﴾ [الأنعام: ١١٥] .
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا ذَكَرَ الْأُمَرَاءَ الظَّلَمَةَ: «مَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ» وَقَالَ تَعَالَى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ - تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٢]
1 / 199