Tuhfat al-Asmāʿ waʾl-Abṣār
تحفة الأسماع والأبصار
ولما وصلنا إليه وجدناه متعلقا بجبل صعب المرتقى، فلما رءآنا انحدر إلينا واجتمع بنا في بطن الوادي، وضرب فيه خيمته، واجتمعنا به فيها، ولما ضربت البنادق وفيها الرصاص وكان لها صوت عند خروجها هالهم ذلك، واستعظموه، ولقد رأيناهم مع جمعهم العظيم إذا ضربت البنادق انحطوا برؤسهم راكعين إلى الأرض، ولما وقعت أبصارنا عليهم رأينا صورا قد أذلها الله عز وجل، وألبسهم لباس الصغر، وهم ينظرون إلينا كالمبهوتين، يتسللون تسلل الأذلين، كأن السلطان لنا عليهم، وهذا الأمير رجل أشيب، مكشوف الرأس على قواعد أهل الحبشة، مطول الشعر والأظفار، أشبه شيء بكبار القردة، غير أني رأيته بعد أن عرفت حال غيره أحسن أهل الحبشة رأيا، وتدبيرا، وصبرا، وسياسة، وقد كان استصحب معه من الطعام المصنوع، والدقيق ما تقضي من حاجة الناس، فأمر إلينا بذلك، ثم قال: يأكل الناس من الطعام الحاصل، ولا يصنعون شيئا من الدقيق، لأن الإقامة بمقدار الأشغال بمعالجة الطعام خطر عظيم، ففعل الناس ذلك وأسرعوا في الإرتحال، ثم استمر سيرنا صحبة الأمير (بعل جادة) قدر خمس مراحل، حتى وصلنا أول بلد من بلد الحبشة، وهي قرية بين جبلين عظيمين عندها نهر عظيم، يسمى (وسمة) -على وزن زنمة- في ولاية هذا الأمير المذكور[85/ب] وهي طرف بلاده، وثغر من ثغورها عليهم إلتزام حراسة القافلة في كل شهر عشرة أنفار، يتناوبون في جبل يسمى (كحل)؛ لأنه على مسلك القالة لا ينفذون إلى بلاد النصارى من غيره، فإذا علم هؤلاء الحرس بتوجه القالة تولوا إلى قومهم منذرين فيلوذون بالهرب إلى رؤوس الجبال ويخلون بينهم وبين بيوتهم، وما ثقل من الأموال.
Page 375