58

Tuhfat al-Khullān fī Aḥkām al-Adhān

تحفة الخلان في أحكام الأذان

Investigator

محمود محمد صقر الكبش

Publisher

مكتب الشؤون الفنية

Edition Number

الثانية

Publication Year

1431 AH

وأجيبَ: بأنَّهُ يهرُبُ عندَ سَمَاع الأذانِ والإقامةِ؛ ليغالطَ نفسَهُ بأنَّهُ لم يخالِفْ أمراً، ثُمَّ يرجِعُ - لَمَا طُبعَ عليهِ مِن الأذَى - إلى الوسوسةٍ، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ روايةٌ مسلمٍ : ((أقبلَ يوسوسُ)).

وقيلَ: يهرُبُ نفوراً عن سَمَاعِ الأذانِ والإقامةِ، ثُمَّ يرجِعُ موسوساً ليُفسدَ على المصلِّي صلاتَهُ، فَصَارَ رجوعُهُ مِن جنسٍ فِرارِهِ، والجامعُ بينَهما الاستخفافُ.

وقالَ ابنُ الجوزيُّ: على الأذانِ والإقامةِ هيبةٌ يشتدُ انزعاجُ الشَّيطانِ بسبِها، لا يكادُ يَقَعُ فيهما رياءٌ ولا غفلةٌ عندَ النُّطْقِ بِهِما، بخلافِ الصَّلاةِ؛ فإنَّ النَّفْسَ تخطِرُ فيها، فيفتَحُ لها الشَّيطانُ أبوابَ الوسوسة.

قالَ ابنُ أبي جمرةً: إنَّما يهرُبُ الشَّيطانُ من سَمَاعِ الأذانِ والإقامةِ؛ لأنَّهما إعلامٌ بالصّلاةِ الَّتِي هي أفضلُ الأعمالِ، وهما مِن أفضلِ الذُّكرِ؛ لا يزادُ فيهما ولا يُنقصُ، بل يقعانِ على وِفِقِ الأمرِ، فيفِرُّ مِن سَمَاعِهِما.

وأمَّا الصَّلاةُ فلِما يَقَعُ مِن كثيرٍ مِن النَّاسِ فيها مِن التَّفريطِ، فَيَتَمَّكَّنُ الخبيثُ مِن المفرِّطِ، فلو قُدْرَ أنَّ المصلِّيَ وفَّى بجميعٍ

(١) انظر: فتح الباري (٢ / ٨٧).

58