154

Qiṣṣat al-ḥaḍāra

قصة الحضارة

Publisher

دار الجيل

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

مهام النهار (٣٨) وواضح أن أول صورة للفن هي صبغ الجسم صبغة صناعية وهم يصبغون الجسم ليجذبوا النساء حينًا وليخيفوا الأعداء حينًا آخر؛ والرجل من أهل استراليا الوطنيين - كأحدث فاتنة من فاتنات أمريكا اليوم - كان دائمًا يحمل معه مقدارًا من الصبغة البيضاء والحمراء والصفراء، ليُصلح من جماله حينًا بعد حين، فإذا ما أوشكت أصباغه على النفاذ، قام برحلات بعيدة خطرة ليزود نفسه منها بمقدار جديد؛ وهو يكتفي في الأيام العادية ببقع من اللون على خديه وكتفيه وصدره، ولكن كان في مناسبات الأعياد، يُحِسُّ ما يحسّه العُريان من خجل إذا لم يصبغ جسده كله من أعلاه إلى أسفله (٣٩).
في بعض القبائل يحتكر الرجال لأنفسهم حق صبغ الجسم، وفي قبائل أخرى يحَّرم على النساء المتزوجات أن يصبغن أعناقهن (٤٠)؛ لكن ما لبث النساء أن ظفرن لأنفسهن بفن التجمل بالأصباغ، وهو أقدم الفنون جميعًا؛ فلما وقف "كابتن كوك" Captain Cook في زيلندة الجديدة حينًا، لاحظ أن بحارته حين عادوا إليه من جولاتهم على الشاطئ، كانوا حُمرَ الأنوف أو صُفرها بأصباغ صناعية، ذلك لأن أنوفهم قد لصقت بها الأصباغ التي كانت الجميلات من أهل ذلك الإقليم قد طلين بها أجسادهن (٤١)؛ ونساء "الفَلاّتة" Fellatah في إفريقية الوسطى ينفقن عدة ساعات كل يوم في تجميل أنفسهن: فهن يصبغن أصابع أيديهن وأرجلهن صبغة أرجوانية بأن يلففنها طوال الليل في أوراق الحناء، ويصبغن أسنانهن بالأزرق والأصفر والأرجواني على هذا التوالي؛ ويطلين شعرهِن طلاء أزرق، ويخططن جفونهن بالكحل (٤٢) وكل سيدة من قبيلة "بُنجو" تحمل في حقيبة أدوات التجميل، ملقطًا تنزع به الرموش والحواجب، ومشابك شعر على هيئة الرماح، وخواتم وأجراسًا، وأزرارًا ومشابك (٤٣).
لكن السُّذج الأولين - مثل الإغريق أيام بركليز - ضاقوا صدرًا لسرعة زوال هذه الأصباغ، فابتكروا الوشم والوصم والثيابَ أدواتٍ للتزين أدوم بقاء،

1 / 144