(فرجع بها): أي: بالآيات المذكورة المحفوظة، أو بالكيفية المذكورة.
(يرجف): لثقل القراءة، أو لغط جبرئيل ﵇، أو لاتحاد الروح بالملكية، ولا يشكل عليه أن الاتحاد سبب التقوية لا الاضطراب؛ لأن الانتقال عن حالة معهودة وإن كان بسبب ما يقوي الطبع قد يفضي إلى مثل ذلك، كمن استعمل مسكًا كثيرًا، فإنه قد يُفضي إلى حالة سُكْرية وإن كان مقوّيًا غايةَ التقوية.
(زَمِّلوني زَمِّلوني): قال ذلك لشدة ما لحقه من هول الأمر، والعادة جارية بسكون الرعدة بالتلفف، وذكر في "الأرواح الثلاثة": أنه سئل العارف الكبير الحاجّ إمداد الله المهاجر المكي نَوَّرَ الله مرقده عن وجه التلفُّف والتزمُّل، هل خاف النبي ﷺ جبرئيل ﵇؟
فقال: لا، بل لما شاهد النبي ﷺ جبرئيل وانكشفت عليه حقيقةُ نفسه فهابها، ولم يستطع أن يتحمَّلها لعظمتها وكبرها، فإن الحقيقة تختفي في غير الجنس، فإذا ورد أحد من أبناء جنسه تنكشف عليه حقيقته، كما اشتهر أن رجلًا اقتنى جرو أسد، فكان يصبح ويمسي في أغنامه، ويروح ويسرح، كأنه فرد منها حتى شَبّ ولم يعلم نفسه ما هو، حتى إنه رأى يومًا صورته في الماء، فعلم أنه ليس من جنس الأغنام، بل هو شيء آخر ذو هيكل مهيبٌ بسلٌ شجاعٌ، فلما تحقق ذلك دخل في الأغنام فافترس هذه، وأكل أخرى، وجرح تلك، وقتل أخرى، حتى وقع الصياح والعويل فيهن، وفررن وانتشرن.
وكما أن رجلًا جميلًا ذا بهاء وسناء كأن وجهَه قطعةُ قمر، لو كان في بعض الجزائر التي يسكنها ذوو الأشكال البشعة القبيحة والوجوه الدميمة لما ظهر منه الدلال والغنج، وما هو من شؤون المحبوبين الحسان، حتى إذا ورد عنده رجل مثله في الحسن والجمال، وأظهر التدلل والتشكل والتغنج، فيظهر عليه حقيقة نفسه، ويظهر حينئذ شؤون المحبوبية.