The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani

Ragheb El-Sergany d. Unknown
88

The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani

السيرة النبوية - راغب السرجاني

Genres

رفع قيمة الآخرة في قلوب المؤمنين السبب الثاني: رفع قيمة الآخرة في عيون المؤمنين. وهذا أسلوب من أروع الأساليب في تربية الصف المؤمن على التحمل والجلد والصبر، وتوسيع مدارك المسلم، وليعلم المقياس الحقيقي بين الدنيا بكل ما فيها من مصاعب ومشاق وألم وعمل، وبين الآخرة وما فيها من خلود، إذا أدرك الناس أن هناك يومًا ما سيحاسبون فيه على ما يعملون، وكان هذا العلم علمًا يقينيًا، وأدركوا أن الذي سيحاسبهم هو إله قادر عليم حكيم جبار قاهر ﷾، فإنهم ولاشك سيعملون له؛ لأجل ذلك قال الرسول ﷺ في أول يوم لدعوته للناس (والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن على ما تعملون، وإنها لجنة أبدًا أو نار أبدًا). نحن أحيانًا نعاني من خلل تربوي خطير، وهو أننا لا نركز على رفع قيمة الآخرة في عيون المؤمنين، راجع القرآن المكي؛ لتعرف طبيعة المرحلة، إذا كانت الدعوة مضطهدة، والظلم مستفحلًا والأعداء كثر، فلابد من التركيز على رفع قيمة الآخرة في عيون المسلمين. كما تحدث القرآن المكي عن الجنة؟ لا تكاد تخلو سورة من سور القرآن المكي من التذكير بالجنة والتذكير بالنار. عش في الجنة التي كان يعيش فيها الصحابة وهم لا يزالون في الدنيا، يقول ربنا ﷾: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان:١٢]، أنا أريدك أن تتخيل أحد الصحابة وهو في بيت الأرقم بن أبي الأرقم يسمع هذه الآيات والتعذيب ينتظره في الخارج، كم سيكون حجم التعذيب بالنسبة للذي يسمعه عن وصف الجنة؟ لا شيء، إذا قورن أي ألم بالخلود في النعيم سقط ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإنسان:١٢ - ٢٢]. تخيل مؤمنًا يسمع هذه الآيات ويعيش فيها، ثم يأتي عدوه ليعذبه ويحرمه جرعة الماء، أو الظل، أو يجلده أو يصلبه أو يقتله، ما الضير في ذلك؟ أليس منتقلًا من هذه الحياة بهمومها ومتاعبها إلى تلك الجنة العظيمة الخالدة؟! إذًاَ اسمع آيات القرآن الكريم المكي بهذا المفهوم، بأذن الصحابي الذي يعذب، لم يكن للتعذيب عندهم أي قيمة، هنا ستفسر لك أشياء غريبة على أسماعنا، مثل: موقف حرام بن ملحان ﵁ وأرضاه لما طعن بالرمح في ظهره فخرج من صدره فقال: فزت ورب الكعبة! أي فوز فازه هذا وقد مات، وفقد كل شيء في عرف أهل الدنيا؟ هو يعتبر نفسه فائزًا؛ لأنه سينتقل من أرض الجهاد إلى الجنة مباشرة، مات شهيدًا، وقد وعد الله الشهيد بأن يدخله الجنة بغير حساب. إذًا: لماذا لا يقول: فزت ورب الكعبة؟ نفهم من هذا أن تعظيم قيمة الآخرة يصبر المؤمنين لا محالة على كل ألم وأذى ومشقة في سبيل الله ﷿.

7 / 10