171

Manhaj al-Qurṭubī fī dafʿ mā yutawaham taʿāruḍihi min al-āyāt fī kitābih al-Jāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Genres

قَوله تَعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) قال ابن عباس: خَلَقْنَاكُم في صُلْب آدَم، ثُمّ صَوَّرْناكُم في أرْحَام الأمَّهَات.
وقال مجاهد: خَلَقْناكُم في ظَهْر آدَم، ثُمّ صَوَّرْناكُم يَوم الْمِيثَاق حِين أخْرَجَهم كالذَّرِّ (^١).
وقِيل: هَذا في حَقّ آدَم - صلوات الله عليه - يَعْني: خَلَقْنَا أصْلَكُم آدَم ثُمّ صَوَّرْناه، فَذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْع والْمُرَاد به الوَاحِد.
وقال الأخْفَش - وهو أحَد قَولي قُطْرب -: إنَّ (ثُم) بمعنى (الواو)، أي وَصَوَّرْناكُم، (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ).
فإن قال قائل: الأمْر بِسُجُود الْمَلائكَة كَان قَبْل خَلْقِ بَنِي آدَم، فَمَا مَعْنى قَوله: (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ) عَقيب ذِكْر الْخَلْق والتَّصْوير؟
والْجَوَاب:
أمَّا على قول مجاهد وقَول مَنْ صَرَفَه إلى آدَم يَسْتَقِيم الكَلام.
وأما على قول ابن عباس يَرِدُ هَذا الإشْكَال.
والْجَوَاب عنه مِنْ وُجُوه:
أحَدُها (^٢): أنَّ الْمُرَاد به: ثم أُخْبِرُكُم أنا قُلْنا للمَلائكَة اسْجُدُوا لآدَم.
وقِيل: فِيه تَقْدِيم وتَأخِير، وتَقْدِيرُه: ولَقَد خَلَقْنَاكُم، ثُمّ قُلْنَا للمَلائكَة اسْجُدُوا، ثُمّ صَوَّرْناكُم.
وقِيل: (ثم) بمعنى (الواو)، أي: وَقُلْنا للمَلائكَة اسْجُدُوا، و(الواو) لا تُوجِبُ التَّرْتِيب، وهْو قَول الأخْفَش وأحَد قَولي قُطْرب، ولم يَرْضَوا (^٣) مِنْهم ذَلك، فإنَّ كَلِمَة (ثُم) لا تَرِد بِمَعْنى (الواو)، وهي للتَّعْقِيب (^٤).

(^١) سيأتي فيه حديث مرفوع، ويأتي تخريجه.
(^٢) قال: (أحدها) ولم يَذكُر (ثانيها) وإنما ذَكَر بقية الأوجه بصيغة التمريض (قيل).
(^٣) أي أهل اللغة.
(^٤) تفسير القرآن، مرجع سابق (٢/ ١٦٧، ١٦٨).

1 / 171