170

Manhaj al-Qurṭubī fī dafʿ mā yutawaham taʿāruḍihi min al-āyāt fī kitābih al-Jāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Genres

في كَلام العَرَب لا تَأتي إلَّا بإيذَان انْقِطَاع مَا بَعْدَها عَمَّا قَبْلَها، وذَلك كَقَول القَائل: قُمْتُ ثم قَعَدّتُ، لا يَكُون القُعُود إذْ عُطِف به بِـ (ثُمّ) عَلى قَوله: قُمْتُ، إلَّا بَعْد القِيَام وكَذلك ذَلك في جَمِيع الكَلام.
ثم رَدّ ابنُ جرير القَول بالتَّقْدِيم والتَّأخِير، بِقَولِه: وقَد وَجَّه بَعْض مَنْ ضَعُفَتْ مَعْرِفَته بِكَلام العَرَب ذَلك إلى أنه مِنْ الْمُؤخَّر الذي مَعْنَاه التَّقْدِيم، وزَعَم أنَّ مَعْنى ذَلك ولَقَد خَلَقْنَاكُم ثُم قُلْنا للمَلائكَة اسْجُدُوا لآدَم ثُمَّ صَوَّرْناكُم.
وذَلك غَير جَائز في كَلام العَرَب، لأنها لا تُدْخِل (ثُمَّ) في الكَلام وهِي مُرَاد بِهَا التَّقْدِيم عَلى مَا قَبْلها مِنْ الْخَبر، وإن كَانُوا قَدْ يُقَدِّمُونها في الكَلام إذا كان فيه دَليل عَلى أنَّ مَعْنَاها التَّأخِير .... غَير جائز أن يَكُون أمْر الله الْمَلائكَة بالسُّجُود لآدَم كَان إلَّا بَعْد الْخَلْق والتَّصْوير لِمَا وَصَفْنَا قَبْل (^١).
وبالتَّقدِيم والتَّأخِير قال السمرقندي، إذْ يَقول:
قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) يَعْني خَلَقْنَا آدَم وأنْتُم مِنْ ذُرِّيَّتِه، ثم (ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) يَعْنِي ذُرِّيَّتِه. ويُقال: (خَلَقْنَاكُمْ) يَعْني آدَم خَلَقَه مِنْ تُرَاب (ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ)، يَعْنِي آدَم صَوَّرَه بَعْد مَا خَلَقَه من طين. ويُقَال: (خَلَقْنَاكُمْ) نُطَفًا في أصْلاب الآبَاء (ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ)، يَعْنِي في أرْحَام الأمَّهَات. (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ) على وَجْه التَّقْدِيم، يَعْنِي: وقُلْنا للمَلائكَة: اسْجُدُوا لآدَم، (ثم) بمعنى (الواو)، ويُقَال: مَعْنَاه خَلَقْنَاكُم وَصَوَّرْناكُم، وَقُلْنا للمَلائكَة اسْجُدُوا لآدَم (^٢).
أما السمعاني فإنه أوْرَد في الآية قَول أهْل التَّفْسِير وقَول أهْل اللُّغَة، وجَعَل القَول بالتَّقْديم والتَّأخِير وَجْهًا في إزَالَة الإشْكَال، فَقال:

(^١) جامع البيان، مرجع سابق (١٠/ ٧٥ - ٨١) باختصار وتصرّف يسير.
(^٢) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ٥٢١).

1 / 170