Tazyin Aswaq
تزيين الأسواق في أخبار العشاق
فقيل إن إخوته شعروا به فردوه فمات وتظافرت الأخبار بأنه وصل إلى واد بقرب مراد وقد ثقل في المرض فقال زوج ابنته لها اتركيه واذهبي بنا فقد أجهدنا، فلما سمع ذلك كتب على مؤخر الرحل:
يا صاحبيّ تلبثا لا تعجلا ... إن الرواح رهين أن لا تفعلا
فلعل لبثكما يقرّب بيننا ... أو بسبق الاسراع سيبا مقبلا
يا راكبًا ما عرضت فبلغن ... أنس بن سعد إن لقيت وحرملا
لله درّكما ودرّ أبيكما ... لا يفلت العبدان حتى يقتلا
من مبلغ الأقوام أن مرقشًا ... أضحى على الأصحاب عيا مثقلا
وكأنما ترد السباع بشلوه ... إذ غاب جمع بني ضبيعة منهلا
فلما رأى أخوته الكتابة قتلا الرجل والمرأة، وأما عمرو فحين ذهبا عنه بقي مطروحًا فأوى إلى غار هناك وكان يألفه راع من مراد بينما هو به إذا هو بغنم وراعيها. فلما بصر به الراعي قال له من أنت فأعله باسم الذي هو عنده فإذا هو زوج أسماء فقال له تكلم مولاتك قال لا ولكن تأتيني جارية من عندها لأخذ اللبن.
قال في النزهة وكانت أسماء قد مرضت أيضًا شوقًا إليه فلم تغتذ إلا بقدح من لبن في اليوم، فنزع عمرو خاتمه وقال للراعي ألقه في القدح فستصيب به خيرًا، فلما رأته دعت الجارية فأخبرتها أن لا علم لها فنادت زوجها وأخبرته القصة فاستحضر الراعي، فلما عرفه ركب وأركب زوجته فأدركوا عمرًا وبه رمق فاحتملوه عندهم، فمات وقيل أنشد عند موته:
سما نحوي خيال من سليمى ... فأرّقني وأصحابي هجود
فبت أدير أمري كل حال ... وأذكر أهلها وهم بعيد
على أن قد سما طرفي لنار ... يشب لها بذي الارطي وقود
حواليها مها بيض التراقي ... وآرام وغزلان رقود
نواعم لا تعالج بؤس عيش ... أوانس لا تروح ولا ترود
يرحن معًا بطاء المشي رودًا ... عليهنّ المجاسد والبرود
سكنّ ببلدة وسكنت أخرى ... فقطعت المواثق والعهود
فما بالي أفي ويخان عهدي ... وما بالي أصاد ولا أصيد
وربّ أسيلة الخدّين بكر ... نعمة لها فرع وجيد
وذي أشر شنيب النبت عذب ... نقيّ اللون برّاق برود
لهوت بها زمانًا في شبابي ... وزين بها النجائب والقصيد
أناس كلما أخلقت وصلًا ... عناني منهم وصل جديد
وله:
أغالبك القلب اللجوج صبابة ... وشوق إلى أسماء أم أنت غالبه
يهيم ولا يعني بأسماء قلبه ... لدات الهوى امراره وعواقبه
وعلى قوله راكبًا البيتين أورد المصنف الحكاية المشهورة دليلًا على ذكاء العرب وأسندها إلى مجهول وأصلها قال في روضة القلوب أن أسامة بن غسان بن حارث الكناني قتل أبو صبرًا في تميم، فخرج يستجيش له نصرة وذلك قبل يوم أوارة بأعوام يسير، فلما طال عليه المدى وقد صحب عبدين لخدمته ولحقته علة فعزما على قتله، فلما أحس ذلك قال لهما هل أنتما مبلغا ابنتي هذين البيتين قالا وما هما قال تقولان:
ألا يا بنات الحيّ أن أباكما ... لله در كما ودر أبيكما
فلما أتيا الحيّ أخبرا بموته فقالوا هل أوصي بشيء، فقالا لا ضرر عليا فيما ذكره وذكرا لهم القول، فقالت إحدى بناته اقتلوا العبدين قد قتلا أبي فقالوا ومن أين لك ذلك قالت إن هذا الكلام سفه وهدر وقد كان مصونًا عن ذلك وإنما كتم عنهما تكملة البيتين والأصل:
ألا يا بنات الحيّ إن أباكما ... أضحى قتيلًا في التراب مجندلا
لله دركما ودر أبيكما ... لا يبرح العبدان حتى يقتلا
فاستخبروهما فأقرا بالقصة. قلت وفي البيت خزم بالحرف الأول وهو عيب مشهور سائغ الاستعمال في الصناعة. وقوله بنات الحي، ثم عدل إلى التثنية في قوله أن أباكما جريًا على الغالب في خطاب العرب فإنهم يستعملون التثنية في موضع الجمع والأفراد.
1 / 70