[2.200]
{ فإذا قضيتم منسككم } عباداتكم الحجية، من وقوف بعرفات، والمزدلفة، والذكر فيهما، ورمى العتبة، والحلق، وطواف الزيارة، والسعى، وإستقررتم بمنى، ويجوز تأخير الطواف والسعى عن أيام منى { فاذكروا الله } بالتكبير والثناء، وبالغوا فى الذكر بالكيفية ولو أمروا بالإكثار أيضا، { كذكركم ءاباءكم } كما تبالغون فى كيفية ذكر آبائكم عند المفاخرة فى منى، بين الجبل والمسجد، كانوا يعتادون ذلك فى جميع يومهم، ويذكرون محاسن حروبهم، رواه ابن جرير وغيره، والآية تلويح إلى جعل ذكر الله مكان ذكر الآباء والحروب وإلى ترك ذكرها { أو أشد ذكرا } أو كونوا أشد ذكرا لله منكم لآبائكم، أو عطف على الكاف، أو على ثابتا، أى فاذكروا الله ذكرا مثل ذكر آبائكم، أو ذكرا كذكر آبائكم، فيكون ذكرهم ذاكرا، كقولهم شعر شاعر بتنوين شعر، وصومه صائم من المجاز العقلى، والفتح نصب، ويجوز عطفه على ذكر، فالفتح جر، وإذا جعلنا ذكرا مصدرا من المبنى للمفعول لم يكن من المجاز العقلى، أو معطوف، وأشد حال منه بخلاف أشد، فإنه على كل حال من فعل مبنى للفاعل ولا تهم، ويجوز تقدير أو كذكر قوم أشد ذكرا منكم، واختار أبو حيان، أن أشد حال من ذكرا بعده، ووجهه أن قوله اذكروا الله كذكركم آباءكم، أو ذكرا أشد منه أبلغ من قوله اذكروا الله ذكرا كذكركم آباءكم أو أشد وليس فى إعراب أبى حيان طلب حالية الذكر، بل فيه طلب الذكر بقيد أن يكون أشد { فمن الناس من يقول } تفريع على قوله، فاذكروا الله، وهذا تفصيل بالجملة بعد الفاء لا بالفاء، فقد تكون الفاء تعليلا، لقوله، فاذكرو الله، أى لأن الناس بين مقل ومكثير، ومصيب فى ذكره ومخطىء فى منى، فكونوا من المكثرين المصيبين فيها، لأن من الذاكرين من يقلل ويخطىء، وهو من يقتصر على الدنيا فى دعائه { ربنآ ءاتنا فى الدنيا } مالا وولدا وجاها ونحو ذلك أو بعض ذلك، ومتاع الدنيا كله قليل ولا يدعو لآخرته فقد يؤتى ما يدعو به وقد لا يؤتاه { وما له فى الآخرة } بعد الموت من الجنة { من خلق } نصيب لأنه لم يتعرض له فى الدنيا، ولا يطلق خلاق إلا على نصيب الخير، وسمى خلاقا لأنه خلق له، كما سمى نصيبا لأنه نصب له، أو ما له فى ذكره ودعائه نصيب يدعو به لآخرته، أى وما له فى شأن آخرته نصيب من دعائه.
[2.201]
{ ومنهم من يقول ربنآ ءاتنا فى الدنيا حسنة } أشياء حسنة كالإيمان والاعتقاد الحق والعمل الصالح والتقوى والعلم والتوفيق والنصر والولد الصالح والزوجة الصالحة والرزق الحلال وصحة البدن وصحة الصالحين { وفى الآخرة حسنة } أشياء حسنة كالمغفرة والجنة وتخفيف الحساب والسلامة من هو الموقف، وإيتاء الكتاب بالأيمان، والشرب من الحوض، والحور والأزواج، والولدان والقصور، وعن على: الحسنة الزوج الصالحة، وكأنه أراد الآدمية لأنه ليس للرجل منهن إلا واحدة، وهو قول مشهور، وإلا فالأزواج الحور للرجل كثيرة وهمنى ذلك حتى اطلعت أنه يكون للرجل الواحدة من الآدميات واثنتان وأكثر { وقنا عذاب النار } فى الآخرة بأن لا ندخلها، بأن توفقنا فى الدنيا للهدى والتوبة من الذنوب، وعن على: النار المرأة السوأى، دعوا الله أن يمنعهم عنها فى الدنيا وهو تمثيل لجميع الأسواء.
[2.202]
{ أولئك } القائلون ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار { لهم نصيب } عظيم فى الآخرة ثبت لهم { مما كسبوا } فى الدنيا من الإيمان والأعمال الصالحة، والتقوى، أى تولد، ونتج من كسبهم، أو نصيب عظيم فى الآخرة هو ما عملوه فى الدنيا، أى ثوابه، فكأنه هو، لأنه عوضه أو نصيب مما دعوا به دنيا وأخرى، والباقى، نكفر به سيئاتهم أو نعطيهم فيه ما هو خير منه أو نكفى عنهم المصائب، أو أولئك القائلون ربنا آتنا فى الدنيا حسنة والقائلون آتنا فى الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة، ونصيب الفريق الأول ما له من متاع الدنيا وما له فى الآخرة من العذاب، لأن النصيب يطلق على الخير وعلى الشر، وروى أنه صلى الله عليه وسلم
" قال لرجل كالفرخ المنتوف: هل كنت تدعو بشىء؟ فقال: كنت أقول اللهم عجل عقابى فى الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تطيق ذلك قل ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار "
، فقال فشفى { والله سريع الحساب } جاء الحديث، يحاسب الله الخلق فى قدر نصف نهار من أيام الدنيا، وهو تمثيل للقلة، كما روى أنه يحاسبهم فى قدر حلب شاة أو ناقة فهو قادر أن يحاسبهم فى أقل من لمحة، يخلق فى قلوبهم معرفة أعمالهم وجزاءها، وسرعة الحساب قرب يوم الحساب، أو المجازاة كما قيل فى قوله تعالى، فحاسبناها حسابا شديدا، فباردوا لطلب الآخرة وأعرضوا عن الدنيا.
[2.203]
{ واذكروا الله } بالتكبير وغيره، إدبار الصلوات، وعند ذبح القرابين، ورمى الجمار وغير ذلك، قال مسلم عن نبيشة الهذلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
Unknown page