410

Taysīr al-Tafsīr

تيسير التفسير

Genres

[الأنعام: 33]، والمراد فمن آمن بالله والرسل وأصلح عمله ببنائه على أساس الشرع { فلا خوف عليهم } من عذاب يحققونه فى الآخرة، بل يخافون الله إجلالا، ويخافون خوفا مقابلا للرجاء إذ لا يدرون بم يختم لهم { ولا هم يحزنون } فى الآخرة بفوت الثواب إذ يفوتهم، ويحزنون فى الدنيا لذنوبهم.

[6.49]

{ والذين كذبوا بآياتنا } مقابل لقوله فمن آمن { يمسهم العذاب } أصل المس تحول البدن أو بعضه إلى شئ بالقصد ليباشره، فتسمية المصادم للشئ بلا قصد للمباشرة مسا مجاز، ولا قصد للعذاب فقد شبه العذاب بحيوان مؤذ كالأسد والثعبان الشديد بدليل أنه أثبت للعذاب ما هو من لوازم الحيوان المصر القاصد للمباشرة الضارة، ففى ذلك مبالغة بأن العذاب طالب لهم، وفى ذلك استعارة مكنية، أو فى يمس استعارة تبعية من غير استعارة فى العذاب، وأل فى العذاب للكمال أو للاستغراق، أى كل عذاب أو للجنس أو للعهد فى العذاب الذى أنذروا به، إذا عهد أن جزاء التكذيب عذاب شديد فظيع { بما كانوا } أى بسبب كونهم، أو بالفسق الذى كانوا { يفسقون } يخرجون عن التصديق والطاعة فهم معذبون على الشرك وما دونه من المعاصى لأن المشرك محاطب بفروع الشريعة وبأصلها لهذه الآية ونحوها.

[6.50]

{ قل } لهم تبرئة لنفسك من القدرة على ما يقترحونه من الآيات { لا أقول لكم عندى خزائن الله } جمع خزينة بمعنى مخزونة، فعيلة بمعنى مفعولة، وهى ما ينتفع منه من مال وصحة بدن ودين وغير ذلك من الأجسام والأعراض، أو جمع خزانة بمعنى الموضع الذى يخزن فيه الشئ ويحافظ عليه به، فيقدر مضاف أى خزائن رزق الله، أو أطلق اسم المحل على الحال، أو اللازم على الملزوم. أو الخزائن قضاء الأشياء التى قضاها الله، استعار لقضائها لفظ خزائن بجامع الحفظ وعدم الوصول والفخامة، فإن قضاءه مانع من التغير مطلقا كما تمنع مواضع الخزن تغير ما فيها والوصول إليه وفخامته، أو الخزائن بمعنى المقدورات إطلاقا لاسم المحل على الحال مجاز مرسل مبنى على مجاز آخر، وذلك رد على قولهم إن كنت رسولا فادع الله أن يوسع رزقنا ومنافعنا { ولا أعلم الغيب } عطف على لا أقول، وهو من مقول قل، كأنه قيل: وقل لا أعلم الغيب، ولا نافية، ولو عطف على عندى خزائن الله لكانت زائدة، فيكون من جملة ما نفى بلا أقول، ووجه الزيادة النص على الكلية، ولو لم تزد لاحتملت الآية بحسب اللفظ أن المعنى لا أقول لكم الكلامين جميعا بل بعضهما، واحتملت أن المعنى لا أقول لكم هذا ولا أقول هذا، وقد يرجح العطف على عندى خزائن مع زيادة لا هنا لأن المقصود نفى دعوى أنه ملك الخزائن، ودعوى أنه علم الغيب، بخلاف ما فى سورة هود، والغيب مالا يدركه الحس ولا تقتضيه بديهة العقل ولم ينصب عليه دليل، وهذا رد على قولهم إن كنت رسولا فأخبرنا بما سيقع من خير أو شر فنستعد { ولا أقول لكم إني ملك } لم يدع أنه ملك ولا نسبوا إليه أنه ملك، فالمعنى: أنا لا أقول لكم أنا كملك فى القدرة على ما يقدر عليه الملك كالصعود إلى السماء والنزول منها بكتاب، والكتاب إنما هو أيضا بإذن الله عز وجل، لا باختيار الملك وفى علم ما لا يعلم البشر، ولا يدل هذا على أن الملك أفضل من النبى صلى الله عليه وسلم ولا من غيره لأن الفضل بالثواب والفضل هنا بقوة الملك على الطيران ونحوه مما ليس معتبرا بالثواب كعدم الأكل والشرب وكثرة العبادة فإن ثوابهم عليها لا يساوى ثواب المؤمن فضلا عن النبى، وكانوا يقولون: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ويتزوج ويخالط الناس، فرد عليهم بقوله: { ولا أقول لكم إنى ملك } ، وأنه ما يدعى إلا النبوة الممكنة للبشر التى هى غاية كمالاتهم بقوله { إن أتبع إلا ما يوحى إلى } ولا أقول من جهة نفسى شيئا.

وهذا قيد فى قوله لا أعلم الغيب، أى لا أعلم الغيب وهو ما لم يوح إلى، واستدل بهذا من قال: النبى صلى الله عليه وسلم لا يقول باجتهاده مع قوله تعالى

إن هو إلا وحى يوحى

[النجم: 4]، ويجاب برجوع هو إلى القرآن، قيل: الوحى إما ظاهر بلسان الملك كالقرآن، أو بإشارة الملك كحديث

" إن روح القدس قد نفث فى روعى أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها "

، أو بإلهام بحيث يعلم أنه من الله، وإما باطن بالتأمل فى الأحكام المنصوص عليها، وهذا وحى باعتبار المآل، لأن عدم إنكار الله عليه بعد ذلك تقرير له، فهو كالوحى ابتداء، وزيد وحى الرؤيا، وأعاد لا أقول لأن نفى كونه ملكا أو نفى اتباع غير ما يوحى ليس من جنس ثبوت الخزائن وعلم الغيب، كما أن مجموع ذلك ليس من جنس نفى استواء الأعمى والبصير فأعاد لذلك لفظ قل فى قوله { قل هل يستوى الأعمى } الجاهل والضال والكافر ومدعى الألوهية والملكية وغيرها من المستحيلات وهم المعاندون، وذلك متصل بقوله إن أتبع إلخ { والبصير } العالم والمؤمن والمهتدى ومتبعو المستقيم كالنبوة، وهم النبى صلى الله عليه وسلم ومتبعوه، والبصير بذلك كالماشى والمتناول ببصر وجهه ما يصلح وبجانب الضر بخلاف القسم الأول فإنه كفقد البصر، يمشى ويتناول لا يطلع على ما يضر فضلا عن أن يجانبه، وقدمه لأنه الذى يقع حتى يخرج عنه بالتعلم والتفكر، وهم لا يتفكرون كما قال الله عز وجل { أفلا تتفكرون } أتهملون عقولكم فلا تتفكرون، أو لا تسمعون فلا تتفكرون، أو أتسمعون هذا الحق فلا تتفكرون فتميزوا الحق وتتبعوا الوحى وتؤمنوا به.

Unknown page