[مريم: 51، 54]، أى أرسلهم إليهم فأنبأهم عنه، ولذلك قدم مع أنه أخص، وأما تقديم اللهو فى بعض الآيات فعلى الأصل من تقديم الأعم لأن العام لا شعور له بأخص معين، والأصل فى العطف التغاير، فهما غير مترادفين.
[6.33]
{ قد نعلم } تحقق علمنا أو كثر، كقول زهير فى مدح أبى حذيفة بن بدر:
أخا ثقة لا يتلف الخمر ماله
ولكنه قد يهلك المال نائله
أى عطاؤه، ومعنى كثر علم الله كثر أجزاء معلومه إذ علم من كل جزء وإن دق، والا فصفات الله ذاتية، وهو لا يتصف بالأجزاء، أو من أقل معلوماتنا إحزان الذى يقولون إياك، وذلك كما نفسر قد فى قوله
قد يعلم ما أنتم عليه
[النور: 64]، وقوله:
قد يعلم الله المعوقين
[الأحزاب: 18]، بالتحقيق أو بتكثير معلوماته من ذلك، أو بتقليلها بالنسبة، والتحقيق أن قد مع المضارع بالوضع والكثرة والقلة إنما هى من خارج، وقيل هى للتقليل واستعمالها فى الكثرة استعارة أحد الضدين للآخر، والأولى فى قول سيبويه أن قد كرب أنها بمعناها فى التقليل، { إنه ليحزنك الذى يقولون } أى الكلام الذى يقولونه، أو القول الذى يقولونه من أنك ساحر أو مجنون أو شاعر أو تتكلم بأساطير الأولين أو يعلمك بشر، { فإنهم } علة لمحذوف أى لا تحزن لأنهم، أو دم على الصبر لأنهم { لا يكذبونك } مضارع أكذب فهو من أفعل الذى للوجود، أى لا يجدونك كاذبا، أو للنسب، أى لا ينسبونك إلى الكذب من قلوبهم، بل من ألسنتهم فقط، أو لا يصيرونك كاذبا، بل أنت باق على الصدق، وهذا فى الجملة فإن منهم من يكذبه من قلبه، ومنهم من يكذبه بلسانه وقد علم صدقه من قلبه لكنه جحد كما قال { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } أو لا يكذبونك لعلمهم بصدقك فى طول عشرتك، ولكن يقولون ما جئت به غير صحيح فى نفسه، ولست مفتريا له، كما روى أن أبا جهل لعنه الله يقول: ما نكذبك وإنك عندنا لصادق، وإنما نكذب ما جئت به، تظن أن مخبرك به صادق وليس صادقا، قيل: لكن تغير عقلك فقلت ما قلت لا بكذب منك، وقيل لا يكذبونك كلهم، بل منهم من يصدقك، فنزلت الآية، كما روى أن الأخنس قال لأبى جهل لعنهما الله تعالى: ليس معنا ها هنا أحد فأخبرنى عن محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال: والله إنه لصادق وما يكذبك، لكن إذا ذهب بنو قصى باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فما لسائر قريش، وكان الحارث بن عامر ابن نوفل بن عبد مناف بن قصى بن كلاب يكذب النبى صلى الله عليه وسلم علانية ويقول لأهل بيته : ما محمد من أهل الكذب ولا أحسبه إلا صادقا، ففى ذلك كله ونحوه نزلت الآية، أو لا يكذبونك فى الحقيقة، بل كذبوا آيات الله، وذلك أن الله صدقه بالإعجاز فكذبوا هذا التصديق فهذه نصرة له صلى الله عليه وسلم، إذا كان مكذبه مكذبا لله عز وجل، وتضمن ذلك وعدا بالنصر، ولا يكذبونك بقلوبهم بل بألسنتهم، ويجوز أن يكون فإنهم لا يكذبونك علة ليحزنك، أى ليحزنك الذى يقولون من التكذيب، لأنه ليس تكذيبا لك خاصة، بل فى تكذيبهم تكذيب لله، كما روى أنه لا يحزن لنفسه ولا يغضب لنفسه، بل فيما كان لله جلا وعلا، ويجوز أن يكون الجحود التكذيب، أى ما كذبوك ولكن كذبوا آيات الله، أى تكذيبك ليس منحصرا فيك، بل فيه تكذيب الله فى آياته، وذلك كقوله تعالى:
Unknown page