324

Taysir Tafsir

تيسير التفسير

Genres

قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر

[التوبة: 29] وقيل الهاء للقليل وقيل الآية على ظاهرها إلا أنه نسخت بقوله تعالى:

وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء

[الأنفال: 58] { إن الله يحب المحسنين } فى حق الكفرة فكيف فى حق المؤمنين.

[5.14]

{ ومن الذين قالوا إنا نصارى } متعلق بقوله { أخذنا ميثاقهم } واجب التقديم لئلا يعود الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة فى غير أبوابه لو قال وأخذنا ميثاقهم من الذين قالوا إنا نصارى؛ لأن الهاء عائدة إلى الذين قالوا إنا نصارى، وجىء بتلك العبارة لصورة الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر وهو المتعلق لا ليفيد السؤال عن الطائفة الأخرى وما فعل بها وهى اليهود وأنه أخذ الميثاق منهم أيضا إذ لا دلالة على ذلك قط، والمعنى أخذنا من النصارى ميثاقا على العمل بالإنجيل، وفيه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوب الإيمان به كما أخذنا من اليهود الميثاق على العمل بالتوراة والإيمان به صلى الله عليه وسلم. أو الهاء لليهود أى أخذنا من النصارى ميثاق اليهود أى مثل ميثاقهم كضربته ضرب الأمير فيجوز التأخير، قيل أو يقدر: ومن الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا ميثاقهم، أو من الذين قالوا إنا نصارى من أخذنا ميثاقهم، ومن نكرة موصوفة أو موصولة، والكوفيون أجازوا حذف الموصول إذا علم مطلقا، أو لا تزال تطلع على خائنة منهم ومن الذين قالوا إنا نصارى، فأخذنا مستأنف وأدخل النصرانية إلى قولهم ردا عليهم فى دعواهم لأنفسهم كأنه قيل ومن الذين زعموا أنهم أنصار الله وكذبوا فإنهم خالفوا الله فى اعتقادهم وقولهم وفعلهم فهى نصرانية ادعائية لا واقعة كنصرانية الحواريين، وإنما هى نصرة الشيطان، والمفرد نصران إلا أنه لم يستعمل إلا بياء النسب، وذلك كندمان وندامى وقيل النصرانى نسب إلى نصورية أو ناصرة قرية بالشام على غير قياس أقام بها مع أمه حين بلغ سنة اثنتى عشرة، وذلك أنه ولد بالشام في بيت لحم من المقدسة، سنة أربع وثلاثمائة من غلبة الإسكندر وسارت به أمه إلى مصر ثم رجعت إلى الشام به، ونصارى جمع كمهرى ومهارى ثم أطلق على كل من تعبد بدينهم. { فنسوا حظا مما ذكروا به } من الأوامر والنواهى والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فى الإنجيل ونقضوا الميثاق وتفرقوا إلى اثنتين وسبعين فرقة { فأغرينا بينهم } ألصقنا وألزمنا بين اليهود والنصارى عند الحسن وبين فرق النصارى عند الزجاج والطبرى، فإن كل فرقة تكفر الأخرى الملكانية والبسطورية واليعقوبية تمت من هؤلاء الثلاث الإحدى والسبعون { العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } لاختلاف أهواء ثلاث الفرق النصرانية أو أهواء اليهود والنصارى، زعمت النسطورية أن عيسى ابن الله وزعمت اليعقوبية أن الله هو المسيح ابن مريم، وزعمت الملكانية أن الله ثالث ثلاثة: الله وعيسى وأمه، فهم أنصار الشيطان وأنكروا كلهم التوراة وموسى وأنكر اليهود الإنجيل وعيسى وأنكروا القرآن وسيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم { وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون } بالجزاء إذا عاقبهم، فالعقاب كتنبئة سوء صنعهم فعبر بالمشبه به وهو الإخبار بصنعهم عن المشبه وهو العقاب، أو يخبرهم به ثم يعاقبهم: حسد بولس من اليهود النصارى المسلمين على دينهم وأراد إفساده وتفرقهم وبينه وبينهم قتال قتل منهم كثيرا وغاب كثيرا وأعور عينه وجاء وقال أتعرفوننى قالوا أنت بولس الذي فعل كذا وكذا وقتل كذا قال: نعم، لكن تبت، إني رأيت عيسى فى المنام نزل من السماء ولطمنى وفقأ عينى وقال ما تريد من قومى أما تخاف عقاب الله، فسجد تائبا، وعلمنى شرائع دينى وأمرنى أن أكون معكم وأعلمكموها فاتخذوا له غرفة وفتح فيها كوة وتعبد فيها وربما وعظهم من الكوة فيقول لهم ما ينكرون فيفسر لهم بما يفهم فيقبلوه: وقال يوما، اجتمعوا إلى أبث لكم علما حضرنى، فقال: أليس الله خلق ما فى الدنيا لنفعكم فلم تحرمون الخمر والخنزير؟ فأحلوهما، ومضت أيام فقال اجتمعوا أبث إليكم علما، فقال من يطلع الشمس والقمر والنجوم من المشرق قالو: الله.

قال: فالله فيها فصلوا إليه ففعلوا، ومضت أيام فدعا طائفة ليلا وأدخلها غرفته وقال، جاءنى عيسى ورضى عنى لتعليمى إياكم ومسح عينى فبرئت من عورها وأريد أن أجعل نفسى الليلة قربانا لذلك وأعلمكم علما تدعون الناس إليه، هل يحي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص إلا الله؟ قالوا: نعم، قال فاعلموا أنه الله، فخرجوا بذلك ودعا فى ليلته هذه طائفة فقال إن عيسى ابن الله وأنى أجعل نفسى الليلة قربانا فخرجوا بذلك وأمرهم أن يدعوا لذلك الناس، ودعا طائفة فيها وقال لهم إن عيسى ثالث ثلاثة وادعوا إلى ذلك وأنى أجعل نفسى قربانا، وخرجوا بذلك وغاب من ليلته فأصبحوا فلم يجدوه فقالوا التحق بعيسى عليه السلام، وقيل ذبح نفسه، وبعد ذلك دعت كل طائفة إلى ما أخذت عنه فكان الخلاف والعداوة بينهم.

[5.15-16]

{ يا أهل الكتاب } اليهود والنصارى وأل للجنس فشمل التوراة والإنجيل وأضافهم إلى الكتاب تشنيعا عليهم بأن أنزل عليهم وانتسبوا إليه ولم يعملوا به. { قد جاءكم رسولنا } محمد صلى الله عليه وسلم وأضافه إلى نفسه إغراء إلى الإيمان به. { يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب } التوراة والانجيل، كما كتموا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم إظهارها وبمحوها وبتبديلها بضدها وبتفسيرها بغيرها، وكل ذلك إخفاء، وكما أخفت اليهود آية الرجم وبدلوها بتشويه الوجه والإركاب إلى خلف الدابة، وكما كتمت النصارى تبشير عيسى به صلى الله عليه وسلم عليهما فى الإنجيل، بين الله ذلك لرسوله وبينه لهم ليعلموا أنه رسول الله. سألوه صلى الله عليه وسلم عن الرجم فقال: أيكم أعلم؟ قالوا: عبد الله بن صوريا فأنشده بالذى أنزل التوراة على موسى ورفع الطور وسائر المواثيق حتى أخذته الرعدة فأثبت الرجم وقال: بدله اليهود بالحلق للرءوس جلد مائة لما كثر، فحكم على اليهودى الزانى بالرجم وروى أنه جيىء بالتوراة فأمر بالقراءة فقرأ القارىء وأخفى آية الرجم فقال له عبد الله بن: سلام ارفع يدك عنها فقرأها { ويعفو عن كثير } مما أخفيتموه سترا عليكم ورحمة مما ليس فيه إلا افتضاحكم أو يعفو عن كثير منكم مع إخفائه فلم يعاقبه فى الدنيا أو لا يعاقبه فى الآخرة لتوبته، فاحذروا الإخفاء لتنجوا من الفضيحة والعذاب. { قد جاءكم من الله نور } نبى كأنه نفس النور وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منافعه لكم لا تحصى فلا تكفروا به فتبطلوا هؤلاء المنافع ولم يجىء لفضيحتكم فقط بالإخفاء ونكر نورا وكتابا وصراطا للتعظيم. { وكتاب } قرآن { مبين } لما خفى من الحق ولما يحتاج إليه، أو بين فى نفسه واضح الصحة والحقية، أو النور أيضا القرآن سماه نورا لأنه يبين ما خفى وما يحتاج إلى تركه أو فعله من ضلال وهدى كالنور فى ظلمة ينجى من المهالك، وسماه كتابا لأنه مجموع موضح أو واضح فى نفسه كما مر ويناسب كون النور والكتاب شيئا واحدا هو القرآن الإفراد فى قوله:

{ يهدى به الله } إذ لم يقل بهما إلا أنه لا مانع من عودهاءبه إلى لكتاب فإن الهداية به هداية بالنور الذى هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبالعكس، أو عادت الهاء إلى النور الذى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والكتاب المبين وأفرد الضمير لاتحادهما حكما ؛ لأن المقصود بهما إظهار الحق والدعاء إليه، أو أفرد للتأويل بما ذكر { من اتبع } قضى الله باتباعه وإرادته للحق { رضوانه } رضاه بالإيمان منهم { سبل } طرق، هو معمول آخر بلا تقدير جار أو بتقديره وهو إلى أو اللام أو بدل من رضوان بدل كل أو بعض أو اشتمال.

Unknown page