{ وطعامكم حل لهم } تتميم لما قيل، أى لا كالنساء حلت لكم نساءهم ولم تحل لهم نساؤكم، والطعام ما يؤكل ولا داعى إلى تأويله بالإطعام كما زعم الزجاج أن المعنى يحل لكم أن تطعموهم فجعل الخطاب للمؤمنين على معنى أن التحليل يعود على إطعامنا إياهم لا إليهم لأنه لا يمتنع أن يحرم الله تعالى أن نطعمهم من ذبائحنا ففائدة قوله عز وجل على هذا إفادة إباحة إطعامنا هم أى فأطعموهم من طعامكم وبيعوه لهم وهبوا وآجروا ولو حرم عليهم كلحم الإبل، ودينهم منسوخ وقد حل لهم فى ديننا فيجوز أن نبيع لهم ونحو ذلك ولو حرم فى دينهم الأول فذلك جواب عن أن يقال كيف يحتاجون إلى بياننا وهم كفار وجواب يرد على من قال أن الآية دلت على خطاب الكافر بالفروع إذ حكم لهم بحل طعامنا لهم. { والمحصنات } اللاتى لا يزنين مبتدأ خبره مع ما عطف عليه محذوف أى حل. { من المؤمنات } الموحدات { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } الحرائر، وعن ابن عمر أن المراد بالمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من أسلمن منهم وهو خلاف الظاهر، فإذا شرط فى المؤمنات عدم الزنى فأولى أن يشترط فى الكتابيات أو المراد بالمحصنات من المؤمنات الحرائر أيضا إذ لا يجوز تزوج الأمة ولو مؤمنة إلا إن لم يستطع الحرة على ظاهر القرآن، وزعم قومنا أنه يجوز تزوج الموحدة الزانية إجماعا، فيحفظها زوجها ولا يجز عندنا تزوج الأمة الكتابية ولا التسرى لها، وأجاز ابن عباد منا وأبوحنيفة تسريها وأجاز أبو حنيفة تزوجها ومنع الشافعى تزوجها وتسريها مثلنا لقيد الإحصان، فزعمت الحنفية أنما يعتبر القيد إذا لم تكن فائدة سوى الدلالة على انتفاء الحكم عند انتفاء القيد وفي الآية فائدة سواها هى البعث على ما هو أولى ولها تحل الحربية ولو حرة عندنا وهو قول ابن عباس لبعد شأنها ولأن التزوج بر وقد قال الله جل وعلا
إنما ينهاكم
[الممتحنة: 9] إلخ. وقال الله عز وجل:
لا تجد قوما..
[المجادلة: 22] إلخ وقال:
ومن ءايته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة
[الروم: 21] وكيف يكون الود والرحمة للكافرة، ويستثنى من ذلك الحب الممنوع مقدار مخصوص للكتابية التى ليست محاربة فيجوز فى حقها لها على متزوجها كما قال الحنفية: أهل الذمة محمديون على أحكام الإسلام فى البيوع والمواريث فيما بينهم وسائر العقود إلا بيع الخمر والخنزير، فيقرون عليه وأنهم لا يرجمون لأنهم غير محصنين، وذهب بعض إلى أن هؤلاء الآيات تفيد الكراهة فقط. وعن الشافعى كراهة تزوج الحرة الكتابية المحاربة، وأباحها الشافعية، وقال الحسن: المحصنات العفائف. { إذا آتيتموهن أجورهن } مهورهن لأنها أجرة الحمل والرضاع والتربية والوطء كأجر العامل، واقتصر ابن عباس على التمتع لأنه المتيقن والمقصود بالذات غالبا، وإذا يتعلق بحل المقدر خارج عن الشرط أو باق عليه وعلى الصدر فيقدر جواب يتعلق به أى فهن حل والظاهر الأول، والمراد بإيتاء الأجور العقد بلا نفى أجر أنقد الأجر أو بعض أو أجل كله أو لم يذكر معلوما ولا مجهولا ولا مجملا فيلحق، وأما إن عقد على أن لا أجر فالعقد باطل يعاد وإن دخل حرمت لأن ذلك غير عقد، وقيل لا تحرم فيحكم بالمهر أو بالمثل كما إذا لم ينف ولم يسم، وتفسير الإيتاء بما ذكر تفسير بصفة السلب وهو أعم فائدة من تفسيره بالتزام الأجر، وبالتعبير عن السبب بالمسبب ويجوز إبقاء اللفظ على ظاهره حثا على نقد الصداق لأنه أكمل كأنه يجب النقد وليس بواجب وليس بقيد للحل. { محصنين } مريدين للإحصان وهو التزوج أو للعفة بالتزوج { غير مسافحين } مجاهرين بالزنى، { ولا متخذى أخدان } صواحب للزنى بهن غير مجاهرين به، والواحد والواحدة خدن بكسر فإسكان، كان الجاهلية يعيبون الجاهر بالزنى لا السار به وعابهما الله جميعا، والعطف على مسافحين ولا صلة ولا يتصور العطف على غير مع أن لا صلة لأن الاتخاذ حينئذ مثبت والمراد نفيه إلا أن جعلنا لا اسما معطوفا على غير مضافا لمتخذى فالاتخاذ منفى بلا كما نفى فى الوجه الأول بالعطف على مدخول غير { ومن يكفر } يرتد بعد إيمان { بالإيمان } عن الإيمان أى عن شرائع الإسلام، فالإيمان مصدر بمعنى مفعول أى بالمؤمن به بفتح الميم الثانية { فقد حبط } إن لم يتب كما فى الآية الأخرى { عمله } ما عمله قبل الردة من الصلاخ { وهو فى الآخرة من الخاسرين } ثواب أعمالهم، وقيل يبطل ثواب ما قبل الردة ولو تاب بعدها، ويجوز حمل الآية على الإشراك بمعنى أنه لا يثاب ما عمل من الصلاح فى الآخرة، ومن متعلق باستقرار، أو بصلة (ال) على التوسع فى الظروف وأما أن تجعل ( ال) حرف تعريف فليس ذلك إلينا بل لابد هى اسم موصول، نعم إن بنينا على قول من نفى الموصولية (لأل) مطلقا.
[5.6]
{ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } إذا أردتم الوقوف مستقبلين القبلة للصلاة، أى إذا خطر ببالكم أن تفعلوا ذلك أو قصدتم الفعل فقدموا على فعله الوضوء، ولا شك أن فعل ذلك قيام إلى الصلاة أى توجه إليها، وذلك تعبير عن اللازم بالملزوم أو عن السبب بالمسبب إيجازا أو تنبيها على أنه ينبغى لمن أراد العبادة أن يبادر بحيث لا ينفك الفعل عن الإرادة، والمراد إذا أردتم الصلاة وأنتم محدثون الحدث الأصغر وهو ما نذكره فى الفروع من نواقض الوضوء، وأما الأكبر ففى قوله: { وإن كنتم جنبا } ومثله الحيض والنفاس، ومن تطهر لصلاة أو غيرها من الحدث الأصغر أو الأكبر بماء أو تيمم صلى بتطهره ما لم ينتقض ولو صلاة يوم وليلة أو أكثر لما روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى به صلاة يوم وليلة يوم الفتح، فقال عمر فى ذلك إنك فعلت ما لم تكن تفعل فقال:
" عمدا فعلت "
Unknown page