" إنى والله أعلم أنكم لتعلمون أنى رسول الله، فقالوا: ما نعلم ذلك "
، وأتى رؤساء مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، إنا نسأل اليهود عنك وعن صفاتك فى كتابهم فزعموا أنهم لا يعرفونك، ونزل، إنا أوحينا إليك كما أوحينا.. الخ، قالت اليهود: لا نشهد لك بذلك أبدا حتى ينزل علينا كتابا ويكون كالتوراة، فنزل تسلية له واحتجاجا عنه قوله تعالى:
{ لكن الله يشهد بمآ أنزل إليك } من النبوة والقرآن، أى أنهم لا يشهدون بذلك لكن الله يشهد بما أنزل إليك من القرآن الذى أنكروا إنزاله عليك { أنزله بعلمه } وهو علم كامل بأنك أهل لإنزاله عليك لكمالك، وأنك مبلغه إلى عباده أو بمصالح العباد معاشا ومعادا فى إنزاله عليك، وبأنه لا يغيره شيطان، والباء للملابسة والعلم باق على المعنى المصدرى، وبتأليفه المعجز عن المعارضة والإتيان بمثله، أو أوحينا إليك كما أوحينا إلى من قبلك، لكن للإيحاء إليك مزية بشهادة الله عز وجل بالتصريح والملائكة بعمومهم { والملائكة } ملائكة العرش والكرسى ومن دونهم { يشهدون } أنك رسول الله بالقرآن لصفاء قلوبهم عن الكدورات المانعة عن الإدراك، ولمشاهدتهم نزوله عليه، ولو استعمل المشركون من اليهود وغيرهم عقولهم لأدركوا ذلك وأخذوه من التوراة والإنجيل، أو قل للملائكة يشهدون بواسطة حضورهم يوم بدر ظاهرين للناس، كما وعد لهم بالغلبة { وكفى } عن شهادة الخلق { بالله شهيدا } لما أقام من الحجج على نبوتك ورسالتك.
[4.167]
{ إن الذين كفروا } بالله ورسوله { وصدوا } أعرضوا أو صدوا الناس { عن سبيل الله } دينه بالكتم والتحريف والكذب فى حق النبى صلى الله عليه وسلم ووصفه، وهم اليهود، وكانوا يقولون للناس، ولو كان محمد رسولا لأتى بكتابه دفعة من السماء، كما نزلت التوراة على موسى دفعة، ويقولون، إن الله تعالى ذكر فى التوراة أن شريعة موسى لا تتبدل ولا تنسخ إلى يوم القيامة، ويقولون، إن الأنبياء لا يكون إلا من ولد هارون وداود { قد ضلوا ضلالا بعيدا } عن الحق والصواب، لأنهم جمعوا بين الضلال والإضلال، ولأن المضل يكون أغرق فى الضلال وأبعد عن الانقطاع عنه لأنه أرسخ فيهم، ولأنه يلزمهم أن يردوا إلى الهدى من ضلوا بأن يتوبوا ويخبروهم أن ما أمروهم به ضلال، وأنهم تائبون منه.
[4.168]
{ إن الذين كفروا } بالله ورسوله { وظلموا } نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وهم اليهود، بكتم نعته وتبديله وإنكار نبوته، والناس بصدهم عن دينه وغير ذلك من سائر الكبائر، وقيل المراد اليهود وسائر المشركين فى الموضعين، وقيل، المراد فى الأول اليهود وفى الثانى المشركون، وقيل، المراد فى الثانى أصحاب الكبائر من أهل التوحيد، فتكون الآية فى خلود الفساق من أهل التوحيد، ومعنى ظلمهم أنهم ظلموا أنفسهم، أو مع غيرهم، لا بالدعاء إلى الشرك ولا يتبادر هذا، والمشركون مخاطبون بفروع الشريعة كالصلاة والزكاة والصوم والحج، كما خوطبوا بالإسلام، فهم معذبون على تركها، كما يعذبون على تركه، وعلى ترك اعتقادها ، كما يعذبون على ترك اعتقاده، وكذا اتفقت الشافعية والحنفية على أنهم يعذبون على ترك اعتقاد وجوب العبادات { لم يكن الله ليغفر لهم } ذنوبهم لاكبائرهم إن ماتوا على الإشراك { ولا ليهديهم طريقا } من الطرق فالاستثناء متصل، أو طريقا حسنا فالاستثناء منقطع.
[4.169]
{ إلا طريق جهنم } طريقا تؤدى إلى جهنم، وهى اليهودية وسائر المعاصى لسبق شقاوتهم، ومعنى هدايته إياهم طريق جهنم خذلانه لهم، وخلقه كسبهم السيىء الموجب للنار، أو المعنى، لا يهديهم يوم القيامة طريقا فى الأرض إلا طريقا فيها يوصل إلى جهنم بما كسبوا فى الدنيا، يهديهم إياها { خالدين فيهآ } أى فى جهنم، أى مقعدين الخلود فيها { أبدا وكان ذلك } أى ما ذكر من انتفاء غفرانه وانتفاء هدايته ومن جعلهم خالدين فيها { على الله يسيرا } هينا، لا يعسر عليه، لأنه لا يحتاج إلى مؤونة ولا يصعب عليه تعاقب العذاب بعد العذاب بلا نهاية، كما تصيب الشفقة غيره ولا يخاف عاقبة ولا مانع له.
[4.170]
Unknown page