{ إن تبدوا خيرا } طاعة لله أو إحسانا إلى الخلق، من فعل أو قول، كائنا ما كان، وقيل، قولا حسنا، شكرا لمن قال فيكم، أو مالا، وإبداؤه إظهاره بالتصدق به، وقابل قوله سميعا عليما بهذا وبقوله { أو تخفوه } عن الناس، أو تغرموا عليه، وكل من الإبداء والإخفاء تمهيد لقوله { أو تعفوا عن سوء } صادر إليكم من غيركم، والمقصود بالذات ذكر العفو لمناسبته، لقوله، لا يحب الله الجهر إلى قوله، إلا من ظلم، والجواب محذوف، تقديره يجاركم، أو يثبكم على ذلك، أو فذلكم أولى لكم { فإن } لأن { الله كان عفو } كثير العفو وعظيمه عن العصاة إذا تابوا، وهو صفة مبالغة كصبور وغضوب { قديرا } عظيم القدرة على الانتقام والثواب، وقيل عفو عن من عفا، قدير على إيصال الخير إليه، والآية حث على العفو فى القدرة بعد إباحة الانتقام، وتعليم لنا أن نقتدى به إذ عفا، مع أنه قادر، كقوله تعالى:
فلا يسرف فى القتل
[الإسراء: 33]، وقوله تعالى:
ولئن صبرتم لهو خير للصابرين
[النحل: 126]، والمراد بإبداء الخير غير العفو عن السوء، أو أراد ما يعمه، فذكره تخصيص بعد تعميم لمزيته وفضله، ومن كفر برسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين وغيرهم كاليهود والنصارى إذ كفروا ببعض الأنبياء وبعض الكتب وآمنوا ببعض فقد كفر بالله وبكل رسول كما قال:
{ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله } بأن يؤمنوا بالله ويكفروا ببعض رسله وكتبه، وهم اليهود والنصارى { ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض } كما كفرت النصارى بالتوراة وموسى، واليهود بعيسى والإنجيل، وكما كفر اليهود والنصارى بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن { ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا } بين الإيمان والكفر ولا واسطة، ومن كفر بنبى أو كتاب فقد كذب بالأنبياء كلهم.
[4.151]
{ أولئك هم الكافرون } الكاملون فى الكفر، فإيمانهم ببعض كلا إيمان، وأكمل منهم فيه من كفر بالكل، وأشد منه من كفر بالله عز وجل { حقا } حق ذلك حقا، أو أحق ذلك حقا، وهو مصدر، أو الكافرون كفرا حقا، أى يقينا، فهو وصف، وما من نبى إلا قد بين لقومه محمدا صلى الله عليه وسلم ودينه وكتابه { وأعتدنا للكافرين } المذكورين، أو مطلقا فيدخل المذكورون { عذابا مهينا } عذاب إهانة بالنار، ولا عذاب تكفير ذنوب، ولا عذاب رفع درجات، أو الآية فى من نفى الله ورسله، وفى من آمن بالله ونفى الرسل كلهم والأنبياء، وهذا تفريق بين الله ورسله، قيل، وفيمن نفى الله وأثبت غيره، فإن إيمان النصارى بعيسى على أنه ثالث ثلاثة نفى لله تعالى، ولفظ الذين واقع على المجموع بقصد التفصيل، وبعض يقدر الذين فى الجملتين أى والذين يريدون، والذين يقولون، وقيل: يريدون الخ تفسير ليكفرون، وقيل الواو بمعنى أو التنويعية.
[4.152-153]
{ والذين ءامنوا بالله ورسله } كلهم، مقابل لقوله، إن الذين يكفرون بالله ورسله { ولم يفرقوا بين أحد } معنى أحد متعدد، فصحت بين، أى بين جماعة، أو بين اثنين { منهم } أو بين أحد وأحد منهم، وقد مر، ولا حاجة إليه مع قوله تعالى:
Unknown page