[3.182]
{ ذلك بما قدمت أيديكم } ذلك العذاب بما قدمتم من قتل الأنبياء وغيره، وأسند التقديم للأيدي لأن أكثر الأعمال تزاول بها والقتل باليد، والكاف الأولى خطاب لهم على العموم البدلى، والثانية للعموم الشمولى { وأن الله } وبأن الله { ليس بظلام للعبيد } كما زعمتم أنه ذو ظلم كثير أو عظيم بقولكم باستواء المحسن والمسىء، فإن استواءهما ظلم، أو ليس بذى ظلم، ففعال للنسب كلبان، أو يقدر، ولا بذى ظلم ما، أو الآية كقوله
لا يحب كل كفار
[البقرة: 276]، لعموم السلب، أو ليس بظلام ظلما كثيرا، أو عظيما، فضلا عن دون ذلك، لأن الظالم يظلم لفائدته، فإذا لم يظلم لكثير الفائدة لم يظلم لقليلها، ويبعد فى الصناعة تسلي المبالغة على النفى، وإذا انتفى عنه الظلم فهو عدل لا يعذب بغير ذنب، وعذاب المطيع جور والإحسان إلى المسىء عبث وسفه إن لم يتب، وعدم الثواب للمطيع كذلك، وكذا الإهمال عن التكليف.
[3.183-184]
{ الذين قالوا } نعت للعبيد، وهم كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف، وحيى بن أخطب، بالتصغير، وفنحاص، وزيد بن التابوت، ووهب بن يهوذا، أى العبيد القائلين { إن الله عهد إلينا } أمرنا فى التوراة { ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربآن } شاة، أو بعير، أو بقرة بعد ذبح، أو غير ذلك من المال مما لا يذبح، والآية تتضمن تعذيب هؤلاء، ومصرحه بأن تعذيبهم ليس ظلما، وهذا على النعت أوالبيان أو البدل، وقيل تم الكلام فى للعبيد، واستأنف الذين على الذم أى قبح الله الذين، أو لعن الذين قالوا لهم من العذاب ما لا يفى كلام به أو أخبر عنهم بالإنشاء على تقدير الرابط، قل لهم قد جاءكم الخ، أو ينصب على الاشتغال أى ذكر الذين أو نبه الذين { تأكله النار } نازلة من السماء، بعد دعاء النبى فى نزولها وأكلها، فإذا نزلت وأكلت القربان صار ذلك معجزة له، وذلك كذب منهم، لأن الله عز وجل لم يحصر المعجزة فى ذلك بل إنما كان موجبا لإيمان لأنه معجزة، فكل معجزة كذلك، وسمى إحراق القربان أكلا لجامع مطلق إتلاف الصورى، ويروى عن عطاء، أنه كانت بنو إسرائيل يذبحون لله، فيأخذون القرابين فيضعونها وسط البيت، والسقف مكشوف، فيقوم النبى فى البيت يناجى ربه، وبنو إسرائيل خارجون واقفون حول البيت، فتتنزل نار بيضاء لا دخان لها، لها دوى فتأكلها وتحرقها، وإن لم تقبل لم تنزل النار، وظاهر كلام بعض، أنها تنزل ولا تأكله والله أعلم، وزعم بعض كالسدى أن شرط أكل النار القربان صحيح لكن مخصوص بمن قبل عيسى فى التوراة، ولم يصح هذا بل المشروط المعجرة مطلقا، وقيل أتى هؤلاء المذكورون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أمرنا فى التوراة أن لا نؤمن إلا لمن أتى بقربان تأكله النار ، فإن فعلت آمنا بك، فنزلت، وفى الآية بلاغة، لأنها أخبرت أن الله ليس ظالما لكعب بن الأشرف ومن معه فى عذابهم العظيم، من غير أن يتقدم، أن لهم عذابا، بل فاجأت بذلك الإخبار المرتب على أن لهم عذابا { قل قد جآءكم رسل } كثيرة عظام { من قبلى بالبينات } المعجزات { وبالذى قلتم } من أكل النار القربان، وسائر ما تقترحونه عليهم { فلم قتلتموهم } كزكريا، ويحيى، والسبعين المقتولين فى يوم واحد { إن كنتم صادقين } فى دعواكم أن توقفكم عن الإيمان انتظار للبيان، لم تكتفوا بالكفر بهم، مع المعجزات حتى قتلتموهم، وسلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب اليهود وقومه وغيرهم لهم بقوله:
{ فإن كذبوك } وصيغة الشك تلويح ببعده لظهور الحجة مع وقوعه، أو يبعد تأثير تكذيبهم فيك، لعظم ثوابك على أن المعنى، فإن أثر فيك تكذيبهم، أى فإن كذبك اليهود وقومك وغيرهم فلا تحزن، أو فاصبر، أو فلست بأول من كذب من الرسل { فقد كذب } لأنه قد كذب { رسل } كثيرة عظام فجملة قد كذب علة قامت مقام الجواب المحذوف كما رأيت، ولك جعلها جوابا تحقيقا أى فقد كذب رسل من قبلك، بتكذيبهم إياك، أى فتكذيبهم تكذيب برسل من قبلك مثبتين لرسالتك، أو الجواب هو الجملة باعتبار لازمها فإنها بمعنى فتسل { من قبلك جآءوا بالبينات } المعجزات { والزبر } الكتب التى فى الوعظ والحكم من الزبر بمعنى الزجر أو الكتابة، { والكتاب المنير } جنس الكتب التى فى الأحكام والحلال، والحرام، كالتوراة، والإنجيل، أو الزبر الصحف، صحف إبراهيم، وموسى، والمنير الواضح كالنور، أو الكتاب المنير القرآن جاءت بذكره الرسل، أوجاءت بما فيه، وقد قال الله عز وجل:
وإنه لفى زبر الأولين
[الشعراء: 196]، على وجه.
[3.185]
Unknown page