265

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genres

والذين آمنوا معه كانوا يسيرون معه بسيرته كما قال:

محمد رسول الله والذين معه أشدآء على الكفار رحمآء بينهم تراهم ركعا

[الفتح: 29]، وفي قوله تعالى: { قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } [البقرة: 249]، والإشارة إلى أن كل من شرب من نهر الدنيا وشهواتها وتجاوز عن حد الأمر فيها لا يكون له طاقة المنازلة لقتال جالوت النفس وجنوده صفاتها وعسكر هواها؛ لأنه صار معلولا مريض القلب فيبقى على شط الدنيا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا { قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله } [البقرة: 249]؛ أي: يستيقنون أنهم عند ملاقاة العدو، ملاقون لربهم وهو ناصر لهم على العدو ولهذا قال: { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } [البقرة: 249]؛ أي: بنصره { والله مع الصابرين } [البقرة: 249]، بالنصرة على العدو وبتوفيق الصبر عند الملاقاة كما قال تعالى:

واصبر وما صبرك إلا بالله

[النحل: 127].

ثم أخبر عن بروز طالوت وقتل جالوت بقوله تعالى: { ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا } [البقرة: 250]، الآيتين والإشارة فيهما أن المجاهدة في الجهاد الأكبر وهو الجهاد مع جالوت النفس الأمارة لا يقوم بحوله وقوته على قتال النفس ولا يظهر عليها حتى يبرأ من حوله وقوته ويرجع إلى ربه تعالى مستغيثا به مستعينا به مستدعيا منه { ربنآ أفرغ علينا صبرا } [البقرة: 250]، على الائتمار لطاعتك والانزجار عن معاصيك ومخالفة الهوى وترك تيه الدنيا { وثبت أقدامنا } [البقرة: 250]، في التسليم عند الشدة والرخاء ونزول البلاء وهجوم أحكام القضاء في السراء والضراء وفي التوكل على الحالات عليك، وفي تفويض الأمور إليك والرضا بما في الكتاب المسطور لربك { وانصرنا على القوم الكافرين } [البقرة: 250]، وهم أعداؤنا في الدين عموما والنفس الأمارة وصفاتها التي أعدى عدونا بين جنبينا خصوصا فإذا كان الالتجاء عن صدق الرجاء برب الأرض والسماء فيكون مقرونا بالإجابة الدعاء والظفر على الأعداء عند اللقاء.

{ فهزموهم بإذن الله } [البقرة: 251]، بنصرة الله فإنه هو الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده { وقتل داود } [البقرة: 251]، القلب { جالوت } [البقرة: 251]، النفس إذ أخذ حجر الحرص على الدنيا وحجر الميل إلى العقبى وحجر تعلقه إلى نفسه بالهوى، حتى صار الثلاثة صحراء واحدة وهو التفات إلى غير المولى فوضعه في مقلاع التسليم والرضا فضرب به جالوت النفس فسخر الله ريح العناية حتى أصاب بيضة هواها وخالط دماغها فأخرج منه الفضل والفضول وخرج من قضاها وقتل من رآها ثلثين من صفاتها وأخلاقها ودواعيها وهزم الله باقي جيشها وهو الشياطين وأحزابها، { وآتاه الله الملك والحكمة } [البقرة: 251]؛ يعني: داود القلب ملك الخلافة وحكمة الإلهامات الربانية { وعلمه مما يشآء } [البقرة: 251]، من حقائق القرآن وأسرارها وإشاراتها { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } [البقرة: 251]؛ يعني: أرباب الطلب المشايخ البالغين الواصلين الهادين المهديين.

كما قال تعالى: { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } [البقرة: 251]، استعداداتهم المخلوقة في أحسن تقويم لتثمر كمالات الدين القويم والعبور على الصراط المستقيم والدخول في جنات النعيم عن استيلاء جالوت النفس وجنود صفاتها وتخريب بلاد الأرواح بتبديل أخلاقها وتكرير صفاء ذواتها وترويدها إلى جحيم صفات البهائم والأنعام وأسفل دركاتها { ولكن الله ذو فضل على العالمين } [البقرة: 251]؛ يعني: من كمال فضله وكرمه يحرك سلسلة طلب الطالبين ويلهم أسرارهم بإرادة المشايخ الكاملين وتوفيقهم للتمسك بذيول تربيتهم والتسليم تحت تصرفاتهم في تنقيتهم وتثبيتهم بالصبر والسكون عن الرياضات والمجاهدات في حال تزكيته، ويشير إلى المشير بقبولهم والإقبال عليهم ويصبرهم على الفطام عن ألبان صفاء الأوقات ولذات المناجاة في الخلوات وتقويلهم لذيذ المخاطبات وينعم عليهم بالترحم والتعطف واللين على المريد.

كما قال تعالى:

فبما رحمة من الله لنت لهم

Unknown page