167

بل إن من الناس من يذهب بنفسه إلى مواقع الفتن، ويسعى لحتفه بظلفه، ثم يبوء بعد ذلك بالخسران المبين في الدنيا والآخرة إن لم يتداركه الله برحمته.

لقد أخبرنا الله_عز وجل_عن عشق امرأة العزيز ليوسف_عليه السلام_وما راودته، وكادته به.

وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف، بصبره وعفته، وتقواه، مع أن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره الله؛ فإن مواقعة الفعل بحسب قوة الداعي وزوال المانع، وكان الداعي ههنا في غاية القوة، وذلك من وجوه: (458)

أحدها_ما ركبه الله_سبحانه_في طبع الرجل من ميله إلى المرأة، كما يميل العطشان إلى الماء، والجائع إلى الطعام، حتى إن كثيرا من الناس قد يصبر عن الطعام والشراب، ولا يصبر عن النساء.

وهذا لا يذم إذا صادف حلا، بل يحمد.

الثاني_أن يوسف عليه السلام_كان شابا، وشهوة الشاب، وحدته أقوى.

الثالث_أنه كان عزبا، ليس له زوجة ولا سرية تعوضه، وتكسر ثورة الشهوة.

الرابع_أنه كان في الظاهر مملوكا لها في الدار؛ فقد اشتري بثمن بخس دراهم معدودة، والمملوك لا يتصرف في أمر نفسه، وليس وازعه كوازع الحر، والمملوك كذلك يدخل، ويخرج، ويحضر معها، ولا ينكر عليه؛ فكان الأنس سابقا على الطلب، وهو من أقوى الدواعي.

الخامس_أنه كان غريبا، وفي بلاد غربة، والغريب يتأتى له في بلد غربته من قضاء الوطر ما لا يتأتى له في وطنه، وبين أهله ومعارفه.

السادس_أن المرأة كانت ذات منصب وجمال؛ بحيث إن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى مواقعتها.

السابع_أنها غير ممتنعة ولا أبية؛ فإن كثيرا من الناس يزيل رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها؛ لما يجد في نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها.

الثامن_أنها طلبت، وأرادت، وراودت، وبذلت الجهد، فكفته مؤنة الطلب، وذل الرغبة إليها، بل كانت هي الراغبة الذليلة، وهو العزيز المرغوب إليه.

وكثير من الناس يداخله الزهو إذا أشارت إليه المرأة باليد أو بطرف العين.

Page 167