قضى علي سوء الحظ أن أكون ناظرة لمدرسة حرة كما يدعون، أو لمدرسة مستعبدة كما أسميها أنا، وقامت إيطاليا - لا عفا الله عنها - فهاجمت مصر بطائراتها فخاف الناس، وذلك قبل أن تنتصر إنجلترا، وتخلصهم من ذلك الخوف، خشيت كما خشي كل ناظر من عدم استمرار المدارس في عملها، وكان خوفي مضاعفا؛ لأن الناس في مصر يعتبرون تعليم البنات كماليا لا ضرورة له، فهم إذا قامت الحرب رأوا أن المنزل خير مكان يأوي الفرد؛ لهذا خشيت ألا أتمكن من الإنفاق على مدارسي، وصممت على أن أغلقها خوفا من أن تفلس، ولا شك أن المدارس الأهلية إذا استدانت، واستدانت، خرج منها صاحبها لا بملابسه كما يقولون، ولكن بعد أن يبيعها.
ولهذا عرضت الأمر على معلمي مدارسي، وصارحتهم بنيتي في إغلاق المدارس فعارضوا في ذلك، فطلبت منهم أن تخفض مرتباتهم في ذلك الظرف فقط إلى الحد الذي أستطيع معه السداد، واتفقت مع أساتذة دار العلوم على مرتب أساسه 10,5 جنيهات شهريا بدلا من 12 جنيها فتعاقدوا على هذا، ورضوا به مختارين، ولكني ذهبت يوما إلى الوزارة، وإذا بي أصادف فرقة بأكملها من تلاميذ المدارس الحرة جاءت لتحتج على صاحب المدرسة، وسألتهم ما سبب هذا الاحتجاج قالوا: لقد أساء صاحب المدرسة إلى أستاذنا. وهنا نظرت، وإذا بالفرقة تحيط بها فرقة أخرى من أساتذة دار العلوم، يظهر أنهم هم الذين قادوها إلى الوزارة، فنظرت إلى التلاميذ، وقلت: أساءكم معاملة صاحب المدرسة لأستاذكم الذي هو من دار العلوم؟ قالوا: نعم. قلت: أوكان عاجزا عن أن يأخذ بثأره بدلا من أن ينيب عنه «كبشة» صبية كما يقولون؟
تألمت من أن يقوم معلمو دار العلوم بإفساد المدارس الحرة إلى هذا الحد، وأردت أن أنتصر لهذا التعليم الذي ضحيت من أجله، أنبت زعيمهم؛ أي زعيم الدار، على هذا التصرف الذي من شأنه أن يعلم التلاميذ كيف يتمردون لا على ناظر المدرسة فحسب، بل وعلى معلميها أيضا، وغضب زعيم الدار لما أبديته أنا من النقد، وأراد أن ينتقم لنفسه ولجماعة دار العلوم، وفجأة ومن غير انتظار جاءني أحد أساتذة دار العلوم يوم الخميس 26 ديسمبر يقول إنه لا يقبل التعاقد الذي اتفق عليه معي في أول أكتوبر، وهددني بالاستقالة، ولكني أفهمته أنه رجل، وأنه يجب أن ينفذ كل ما تعاقد به على أني لا أعارض في استقالته إذا شاء، وفي يوم السبت 28 منه خاطبني زعيم الدار فجأة أيضا، ومن غير انتظار، وقال لي في لهجة الآمر الناهي: نحن لا نقبل تلك الفوضى، ولا تسمح الجماعة بأن يأخذ أحد أفرادها أقل من الحد الأدنى، وهو لا يريد طبعا بالجماعة أهل منزله كما اعتاد الناس، ولكنه يريد جماعة دار العلوم، قلت: ولكننا اتفقنا، ووافق معالي وزير المعارف على ذلك الاتفاق. فقال لي شيئا لم أفهمه، ولعله أراد ما يشابه هذا البيت:
وكنا إذا الجبار صعر خده
مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
فلم يهمني شأنه وشأن الجبار، ولكن كان يهمني تصرفه نحوي على أنه والحق يقال لم يدعني أفكر في ذلك كثيرا ولا قليلا، بل قال في لهجة الآمر: عليك الآن أن تستدعي فلانا - وذكر بعظمة اسم ذلك المعلم - وأن تعتذري إليه في الحال، وأن تسترضيه وإلا ثارت عليك جماعة الدار. وهنا أترك للقارئ أن يرد على صاحبنا بالإنابة عني إذا كان ثمة رد، وأن يتصور حرج مركز نظار المدارس الأهلية أمام ذلك السلطان القوي الذي أصبحت معه الجماعة لا تخشى كبيرا ولا صغيرا حتى ولا الجبار، ولا يهمها في التعليم شيء إلا أن تجاب مطالبها، ومطالبها هي جمع المال من كل الوجوه وبجميع الوسائل، لم أجبه أيها القارئ، ولا أدري ما الذي سيكون من أمري، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فهل من سبيل أيها الرأي العام إلى إرضاء جماعة دار العلوم؟
مكافأة سنية لمن يدلني على ذلك.
وهل نستطيع نحن أن نتوسل إلى الجبار الذي لا تهتم به دار العلوم لينقذنا من ظلمهم؟
لقد استطاع حضرة صاحب السعادة النقراشي باشا في يوم من الأيام أن يسكت تلك الحناجر، وأن تخضع له، وخصم لزعيم الدار في ذلك الوقت 15 يوما، ووزيرها الحالي ليس بأقل حزما ولا عدلا من ذلك الوزير، فلعله ينظر في الأمر، ويفهمهم بجلاء أنه ليس هو الذي يعاتب بتلك الوسائل.
Unknown page