فجئت مكتبة الجامعة الأميركية، فحظيت فيها ليس بمانجن فقط بل برحلة علي بك أيضا! وهي طبعة أميركية عن الطبعة اللندنية الأولى (Travels of Ali Bey Philadelphia: John Conrad, 1816) .
أما مانجن فقد وجدت فيما راجعت لغرضي أنه ينقل أحيانا عن تاريخ الجبرتي (عجائب الآثار في التراجم والأخبار)، ووجدت أن الرواية فيما يختص بحوادث نجد لا تختلف كثيرا عن رواية ابن بشر، إلا أن في تاريخ المصري، وبالتالي الإفرنسي، بعض الأشياء التي فات ابن بشر ذكرها، أو أنه كان يجهلها. كالصندوق الصغير مثلا الذي حمله عبد الله بن سعود إلى الآستانة، وفيه بعض أعلاق الحجرة النبوية التي كان يأمل أن يسترضي السلطان بها، فيعطيه الأمان ويؤذنه بالرجوع إلى بلاده، هذا فيما يختص بالنبذة الثالثة. •••
أما النبذة الثانية، محمد بن عبد الوهاب والوهابية، فقد كان لي في كتابتها عون آخر غير ابن غنام. أجل قد طالعت وأنا في الرياض رسائل ابن تيمية وغيرها من الرسائل الحنبلية في كتاب طبع بمطبعة المنار بمصر.
وبما أننا، وقد ذكرنا النبذات عكسا في النبذة الأولى: نواحي نجد، وهي لا تخلو من صعوبة إذا تحرينا التدقيق في ضبط الأسماء، أسماء البلدان، فكتب السياح المستشرقين تضلل غالبا في أعلامها، وكتب الأقدمين العربية تروي أسماء بلدان دثرت، وأسماء للبلدان التي لا تزال في عالم الوجود غير المصطلح عليها لفظا ومبنى. لا بد إذن من الاستعانة بأحد علماء نجد المعاصرين، وبما أن الوقت كان قد ضاق دون ذلك يوم كنت في الرياض التمست من عظمة السلطان أن يأمر أحد العلماء بأن يرسل مطلوبي إلى الفريكة. فأرسل إلي بدل أسماء النواحي والبلدان نسخة من كتيب خطي عنوانه: مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد، تأليف راشد بن علي الحنبلي، فجاء عونا لي في تحقيق أنساب آل سعود، وابن عبد الوهاب، وعرب الشمال، أي مضر وربيعة.
وكنت قد استعنت عندما مررت بعنيزة بالشيخ عبد الله بن محمد العبد العزيز البسام، فكتب لي لائحة بأسماء بلدان القصيم وسدير والعارض، وبت أنتظر وصول المعلومات الأخرى، فمرت الأيام وتزاحمت الحوادث في نجد، ولم تكتب النبذة الأولى.
وكانت حرب الحجاز، وكان من حظي أن أتشرف ثانية بزيارة السلطان عبد العزيز، فذكرته - ونحن في جدة - بتلك النبذة وبما وعدني به لإتمامها، فقال: ما يخالف. ولكني وجدته مشغولا في مسائل أهم منها، فسكت ثم سألت الدكتور عبد الله الدملوجي عن بعض البلدان، فقال: لا يستطيع أن يجيب أسئلتك هذه غير السلطان، وهو الملقب بجغرافية البلاد العربية.
السلطان الأستاذ! ولحسن الحظ عندما جئته ذات يوم بعد الظهر حسب العادة، لقيته يطالع كتابا للسيد محمود شكري الألوسي، عنوانه تاريخ نجد (المطبعة السلفية بمصر) فسألته رأيه فيه، فقال: لا بأس به، ولكنه لا يخلو من أغلاط في أسماء البلدان. فقلت وقد تمسكت بتلابيب الفرصة: إذن، يا طويل العمر، عليكم بإصلاحها.
وأخرجت القلم والدفتر من جيبي قائلا: أتأمرون بأن تكونوا الآن الأستاذ وأن أكون أنا التلميذ؟ أتأمرون بأن أبدأ سؤالاتي؟
فأجاب عظمته: وما هي؟ فذكرت بعضها، فقال: الأمر يطول، تأذنون إذن بأن أمد رجلي.
فقلت مبتسما: وهل في ذلك إشارة إلى قصة الإمام أبي حنيفة؟
Unknown page