والتاريخ ذو شجون، فقد جرتني فتوحات سعود الكبير إلى الحجاز، فمكة المكرمة، فالتقيت هناك ببعض الأوروبيين المستشرقين المتنكرين، فاستكشفت أخبارهم وآثارهم لأطلع على رأيهم في الوهابية يومئذ وفي أهل نجد، فعرفت أن السويسري بركهارت كان مقربا من محمد علي، والإسباني باديا إي لبلخ كان جاسوسا لنبوليون الأول. على أنهما متفقان في نزعتهما العلمية، وصدق الرواية، وإن اختلفا في المقاصد السياسية.
جاء بركهارت الحجاز قادما من السودان يوم كان محمد علي في الطائف، وعندما وصل إليها سأله الباشا عن أحوال تلك البلاد التي كان يحكمها يومئذ ابنه إبراهيم.
قال بركهارت في رحلته العربية
Travels in Arabia, John Lewis Burkhardt, London: Henry Colburn, 1829 :
وسألني الباشا إذا كان ابنه إبراهيم محبوبا هناك، فأجبته بلغة الصدق: إن مشايخ القرى كلهم يكرهونه؛ لأنه ردعهم عن الاستبداد بالفلاحين، أما الفلاحون فيحبونه حبا جما.
ولا شك أن محمد علي الكبير كان يحب بركهارت لعلمه، ويحترمه لصدق لهجته، فأذنه بالدخول إلى مكة وبزيارة المدينة.
أما المستشرق الإسباني الذي انتحل اسم علي بك العباسي، فلم يكن له من أولي الأمر نصير وما فاز بغير جده ودهائه. أحببت أن أطلع على رحلته التي طبعت بالإنكليزية بلندن، فكتبت إلى كتبي مشهور هناك أطلبها، فأجاب أن الكتاب غير موجود في المكاتب، وعرض أن يعلن في الجرائد عل هناك أحدا عنده نسخة يبيعها، فقبلت، وبعد شهر جاءني منه كتاب يقول إنه حظي بنسخة من الطبعة الأولى، سليمة تامة، مجلدة بجلد ثمين، ثمنها عشرون ليرة إنكليزية فقط!
وكنت يومئذ أراجع التواريخ الإفرنسية في نهضة محمد علي المصرية، فقرأت ما كتبه إدوار غوان
L’Egypte au XIX Siécle, Edouard Gouin, Paris 1847 ، ويممت المكتبة الشرقية لأطالع تاريخ مانجن (Histoire de l’Egypte sous le Gouvernement de Mohammed Aly, Felix Mengin, Paris 1823) ، فلم أجد منه غير الجزء الثالث وهو ملحق للتاريخ، كتبه جومار
E. F. Jomard
Unknown page