المطلب الثالث: قضية اللغة والمصطلح
هذه القضية الثالثة التي أخذ المؤلف على نفسه التصدي لها، ونص على ذلك في صدر الكتاب بقوله: "فإن أصحابنا من المتفقهة ... رغبوا في الاعتناء بمجموع يشتمل على شرح كلمات مشكلة وألفاظ مغلظة ... وفي ضبط حروف مشكلة على من لم يعتن بعلم العربية والغريب ... ".
أولًا اللغة:
إن لغة "المدونة" في غالبها سهلة سلسلة، لكن في بعض نصوصها وألفاظها من الغريب والمهجور بحكم الأساليب المتجددة، وبحكم التطور الذاتي للغة وتجددها، وفيها أيضًا بعض المصطلحات والأعلام البشرية والجغرافية وغير ذلك مما لا يعرف في بيئة الغرب الإِسلامي.
غير أن سببًا آخر مهمًا يقف وراء هذا الطلب وهذه الاستجابة، هو ضعف لغة الفقهاء، وهو أمر واخذهم عليه غير واحد في غير زمن. وقبيل عصر القاضي عياض سجل ابن سهل عدة شهادات على بعضهم تؤكد هذه الدعوى، ومن ذلك عقد لأبي المطرف بن سلمة الطليطلي انتابته أخطاء في النحو والأسلوب والإملاء عقب عليه ابن سهل منتقدًا: "نقلت هذا الجواب، وكان بخط يده على نص ما كتبه هو حرفًا بحرف، وكان فيه لحق اعتذر منه، وهو من أهل الفقه، إلا أنه غير بصير باللسان" (١).
وانتقد ابن سهل كذلك أسلوب أبي عمر بن القطان - الفقيه الكبير المفتي غريم أبي عبد الله بن عتاب - ووصف أسلوبه في فتوى بأنه ناقص منثور الألفاظ فاسد المساق، وفيه حشو قبيح النظام قليل الفائدة، لا يكاد يفهم إلا بفكرة شديدة وروية بعيدة ... ثم ختم: "وهذا نظام يعزب تحصيله عن الأفهام، وما صدر عنه هذا الجواب إلا بعد أربعين يومًا" (٢).
(١) أحكام ابن سهل: ١١٠.
(٢) نفسه: ١١٨ - ١١٩.