============================================================
الشهيد شح معالم العدل والتوحيل الجوهر إلا عند حصوله في حيز معين، وحصوله في حيز معين مانع لوجود الكون فيه، فيلزم الدور. لأنا نقول: إنما لزمهم من حيث قالوا بالعلة والمعلول وهما أمران فلزمهم تبعية أحدهما للآخر، وأما عنده فهو آمر واحد وهو أن الفاعل يوجد الكون في الجوهر فيشغل به الحيز. والله أعلم.
الموضع الثاني ذهب جماهير المعتزلة من أصحاب أبي هاشم إلى أن القادرية والعالمية والحيية وسائر صفات الجملة من كونه ظانا ومعتقدا ومريدا أحوال راجعة إلى الجملة، وأنها معللة بمعان هي القدرة والعلم والحياة والاعتقاد والظن وغيرها، ومقصدهم من ذلك يحصل بتقرير أصلين: أحدهما أنها أحوال راجعة إلى الجملة. والثاني أنها معللة بمعان.
أما الأول فأقوى ما احتجوا به عليه هو طريق المفارقة، وذلك أنهم قالوا: وجدنا في الشاهد حيين أحدهما يصح منه الفعل والآخر يتعذر عليه، فلا بد من مفارقة، وإلا لم يكن بأن يصح من أحدهما من دون الآخر، وهذا معلوم بالضرورة، أعني أنه لا بد من مفارقته.
فإذا قيل لهم: لم لا يجوز أن تكون تلك المفارقة معللة بأمر راجع إلى الأجزاء والأبعاض وهي البنية. كان جوابهم أن صحة الفعل حكم صدر عن الجملة، والمؤثر فيه يجب أن يكون راجعا إلى الجملة؛ لأن البعض في حكم الغير للجملة، كزيد وعمرو، فكما لا يصح الفعل من زيد لما يرجع إلى عمرو فكذلك لا يصح من الجملة لما يرجع إلى بعضها.
وجوابه من وجهين: أما أولا فالقادرية والعالمية والحيية وسائر صفات الجملة أمور راجعة إلى الجملة، ومع ذلك فقد أثر فيها ما يرجع إلى الأبعاض وهي القدرة والعلم والحياة وسائر المعاني، فهلا جاز أن يكون المؤثر في صحة الفعل الجملة بواسطة البنية من غير حاجة إلى حالة الجملة.
Page 152