وقد ذكر الحاتمي في الحلية بعد هذه الأبيات قول بعض العرب يمدح بني كعب بقوله طويل:
لعمري لنعم الحي حي بني كعب ... إذا نزل الخلخال منزلة القلب
وقال الحاتمي: إذا ريعت ربة الخلخال، فأبدت ساقها للهرب فتكون قد أنزلت الخلخال منزلة القلب في الظهور، لأن عادة المرأة من العرب أن تبدى معصمها وتستر ساقها، ولا عار عليها في ذلك، وحاصل هذا الكلام مدح الحي بالمحاماة، وشدة البأس عند الخوف.
وقد قيل فيه غير ذلك، وهو أن المرأة من الروعة تذهل فتلبس الخلخال موضع القلب دهشًا وحيرة، والمرجع في التفسيرين إلى مقصد واحد.
وعندي أن هذا البيت لا يصلح أن يكون من شواهد الإيجاز، لأن حقيقة الإيجاز إخراج المعاني في قوالب ألفاظها الحقيقة الموضوعة لها، فإن الإيجاز إيجازان: إيجاز مجازى، وإيجاز حقيقي، فما كان منه حقيقيًا بقي عليه اسم الإيجاز، وما كان مجازيًا وضعوا لكل قسم منه اسمًا يخصه ويناسب اشتقاقه، فإن المجاز إيجاز، وهو حذف بعض الكلام لدلالة الباقي عليه، أو للاستغناء بالقرينة، كقوله تعالى: " واسئل القرية " والإشارة والإرداف والتمثيل إيجاز، لكن هذه الأبواب تجيء بغير ألفاظ المعاني الموضوعة لها، وقول هذا الشاعر:
إذا نزل الخلخال منزلة القلب