فإنه وصف هؤلاء القوم بالأنفة من أخذ الدية عن قتلاهم، فيصير حاصل ما يأخذونه شربهم اللبن، فكأنهم شربوا دماءهم، ثم قال: إن مثل هذا الدم لا يشفي، وإنما يشفي من الدماء ما أخذه مكايلة صاعًا بصاع، يعني دمًا بدم كفء، فحاصل معناه أن الدماء تكال؛ وقال الآخر مغايرًا لهذا المعنى وقد قتل بقتيله دونه معتذرًا عن ذلك، مغايرًا للمعنى الأول طويل:
فيقتل خير بامرئ لم يكن له ... وفاء ولكن لا تكايل بالدم
ويروى: لم يكن له بواء بباء موضع الفاء، أي كفء مأخوذ من قولهم لمن يقتلونه في دم: بؤبدم فلان، فذهب هذا القائل إلى أن قتيله لا نظير له، فلو ذهب إلى أنه لا يقبل به إلا كفأه لطاح دمه هدرًا، إذ لم يجد له كفؤًا، فلهذا اضطر إلى قتل من دونه، ثم قال: لا تكايل بالدم، مستدلًا بذلك القول على صحة ما أتاه، لكون أرباب الدماء متفاوتي الدرجات، فلا تتكافأ دماؤهم، هذا مذهب الجاهلية، قد أتى الإسلام بخلافه، قال رسول الله ﷺ: " المسلمون تتكافأ دماؤهم " ولهذا قال عمر ﵁ لجبلة: الإسلام ساوى بينكما فتغاير المعنيان، وهما مع المغايرة صحيحان، وقد أتى حكم الله في كتابه العزيز مغايرًا هذا الحكم، فقوله تعالى: " ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في القتل " وقوله: " الحر بالحر والعبد