285

وأما قوله: وأحاديث الإسرار أصح، فلعله بناه على أن أحاديث الافتتاح ب ] الحمد لله رب العالمين [ تدل على الإسرار فجعلها من أحاديث الإسرار وجعل أحاديث الإسرار أصح بناء على ذلك، ونحن لا نسلم أنها من أحاديث الإسرار، بل أحاديث الإسرار ما مر في النوع الثالث وما بعده، ومر الكلام في أسانيده وعلل تضعف قول الزيلعي أنها أصح. ونذكر هنا ما تيسر من أحاديث الجهر مع أن في « الاعتصام » للإمام القاسم بن محمد بحثا حافلا بالأحاديث في إثبات الجهر، وكذلك في أمالي أحمد بن عيسى وغيرها من كتب الزيدية. قال ابن كثير في تفسيره في أول الفاتحة ( ج 1 ص 32 )، بعد أن عد جمعا يقولون بالجهر منهم علي(عليه السلام)وابن عباس، ومحمد بن الحنفية، وعلي بن الحسين، وسعيد بن جبير، وعلي بن عبدالله بن عباس، قال: والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة فيجهر بها كسائر أبعاضها. وايضا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في مستدركه، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة، وقال بعد أن فرغ: إني لأشبهكم صلاة برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم. وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان يفتتح الصلاة ب ] بسم الله الرحمن الرحيم [ ثم قال الترمذي: وليس إسناده بذاك. وقد رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يجهر ب ] بسم الله الرحمن الرحيم [ ثم قال: صحيح. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: كانت قراءته مدا ثم قرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ يمد ]بسم الله [ ويمد ] الرحمن [ ويمد ] الرحيم [. وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وصحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم عن أم سلمة قالت: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقطع قراءته ] بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين [(1)[150]) وقال الدارقطني: إسناده صحيح.

وروى الشافعي والحاكم في مستدركه عن أنس أن معاوية صلى بالمدينة فترك البسملة فأنكر عليه من حضر من المهاجرين ذلك فلما صلى المرة الثانية بسمل. وهذا قد ذكره مقبل بأبسط من هذه الرواية في كتابة ( ص 75 ) وخرجه من المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم. وأفاد أنه أخرجه الشافعي في الأم ( ج 1 ص 93 ) والدارقطني ( ج 1 ص 311 ) وقال: كلهم ثقات، يعني رواته. والبيهقي ( ج 2 ص 49 ) وعبد الرزاق ( ج 2 ص 92 ) وابن عبد البر ( ص 192 ) قال: وقد أطال الزيلعي في « نصب الراية » الكلام في تضعيف هذا الحديث، وعندي أن الحديث حسن وأعظم ما اعتمد عليه الاضطراب. ثم أجاب عنه مقبل بأن شرط الاضطراب أن تكون الطرق متكافئة، وهي غير متكافئة كما حققه في الجواب ( ص 76 ) وأبطل دعوى الاضطراب.

قلت: يظهر أن بعض المحدثين قد جدوا في محاربة الجهر بها فتكلفوا جرحا وتعديلا وتعليلا، حتى اتسعت أطراف المسألة وصارت مجالا لجدل طويل وهكذا المسائل التي تدخلها سياسة دولية.

وهل أفسد الناس إلا الملو***ك وأحبار سوء ورهبانها

ولعل بعضهم فعل ذلك لاعتقاده أن أحاديث الاسرار أقوى فجرح من روى ما يخالفها بناء على أنه قد روى منكرا بناء على أن منها أحاديث الاستفتاح ب ] الحمد لله رب العالمين [.

Page 291