Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Genres
اعلم ان اضافات الحق الاول تعالى ليست اعتبارية بل اضافات حقيقية اشراقية يعبر عنها بالانهار وكل مرتبة من العاليات محل لظهور اضافاته فيها وبروزها منها الى غيرها، وجهتها التى تلى الحق الواجب تعالى عالية ومحيطة بالجهة التى تلى الخلق، وبروز اضافاته تعالى الى الخلق من الجهة التى تلى الخلق فصح ان يقال: ان الانهار الجارية الى الخلق جارية من تحت تلك المراتب التى هى الجنان بوجه { ثوابا } اى جزاء مفعول مطلق من غير لفظ الفعل او مفعول له او التقدير ادخال ثواب او هو حال من الفاعل او المفعول اى حال كونهم مجزيين { من عند الله والله عنده حسن الثواب } عطف او حال فيه تحسين للثواب الذى من عند الله تشريفا لهم؛ روى ان الآية نزلت فى على (ع) حين هاجر من مكة ومعه الفواطم، فاطمة بنت اسد وفاطمة بنت رسول الله (ص) وفاطمة بنت الزبير وقد قارع الفرسان من قريش حين جاؤا من عقبه ليمنعوه فسار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان فلزم بها يوما وليلة ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين وفيهم ام ايمن مولاة رسول الله (ص) وكان يصلى ليلته تلك هو والفواطم ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لوجهه فجعل هو وهن يصنعون ذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون اليه كذلك حتى قدم المدينة وقد نزل الوحى بما كان من شأنهم قبل قدومهم الذين يذكرون الله الى قوله { من ذكر او انثى }؛ الذكر على (ع) والانثى الفواطم، وتلك الآيات بل جميع الآيات القرآنية ان كان نزولها خاصا فهى جارية فى كل من اتصف بالصفات المذكورة فيها.
[3.196]
{ لا يغرنك } مقطوع عن سابقه ودفع لتوهم نشأ من قوله { انى لا اضيع عمل عامل } منكم من انه كيف لا يضاع عمل العاملين والحال ان المؤمنين مع كمال طاعتهم فى ضيق من العيش وبلاء كثير والكافرون والمنافقون مع عدم طاعتهم فى سعة من العيش وراحة من البلاء والخطاب خاص بالنبى (ص) على طريق اياك اعنى واسمعى يا جارة، او عام لكل من يتأتى منه الخطاب، وروى ان بعضهم تفوهوا بهذا الوهم بعد ما كانوا يرون المشركين فى رخاء ولين عيش فيقولون: اعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع فنزل { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } التقلب كناية عن سعتهم وراحتهم وتجاراتهم الرابحة وتمكنهم مما ارادوا، ذلك التقلب.
[3.197]
{ متاع قليل } جواب سؤال محذوف فى مقام التعليل وخبر مبتدء محذوف او مبتدء خبر محذوف اى فيه متاع قليل والمتاع بمعناه المصدرى او بمعنى ما به التمتع وقلته عبارة عن قلة ما به التمتع فى الدنيا او عن قلة مدة التمتع فيها، فان جميع الدنيا فى جنب الآخرة مثل ما يجعل احد اصبعه فى اليم كما فى الخبر، ومدة الدنيا فى جنب الدهر ليست الا مثل ذلك { ثم مأواهم جهنم } ولا مدى له ولا شدة مثل شدته { وبئس المهاد } جهنم والمهاد كالمهد ما يهيئ للصبى وراحته ونومه واستعماله هنا للتهكم.
[3.198]
{ لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات } استدراك مما استفيد من قوله { تقلب الذين كفروا } فانه يستفاد منه ان الكفار متنعمون دون المؤمنين فقال لكن المؤمنين لهم جنات { تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } من غير زوال { نزلا } تشريفا لهم والنزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة مثلا لان يكون حاضرا عند نزوله { من عند الله وما عند الله خير للأبرار } مما يتقلب فيه الفجار، وضع الظاهر موضع المضمر اشارة الى مديحة اخرى لهم.
[3.199]
{ وإن من أهل الكتاب } عطف باعتبار المعنى فانه كما قيل: نزلت آية { لا يغرنك } (الى آخرها) فى غبطة المسلمين لليهود حيث رأوهم متقلبين متنعمين وتوهموا من ضعفهم ان لهم خيرا فقال الله: { لا يغرنكم تقلبهم } فان ذلك التقلب { متاع قليل } وله عاقبة سيئة فكأنه قال: ان بعض اهل الكتاب لمن يكفر بالله ولهم جهنم وان منهم { لمن يؤمن بالله ومآ أنزل إليكم } من الكتاب والشريعة { ومآ أنزل إليهم } من كتابيهم وشرائعهم { خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا } مثل الكفار منهم ومثل منافقى امة محمد (ص) فهو تعريض بالكفار من اهل الكتاب وبالمنافقين من اهل الاسلام { أولئك لهم أجرهم } اضافة الاجر اليهم تفخيم للاجر كأنه لا يمكن معرفته الا بالاضافة اليهم { عند ربهم } تفخيم آخر لهم وتعريض بالكفار والمنافقين { إن الله سريع الحساب } جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: ان للكفار جزاء بقدر استحقاقهم وبحسب اعمالهم وللمؤمنين جزاء بقدر استعدادهم وأعمالهم، والنفوس البشرية غير متناهية فكيف يحاسب تلك النفوس واعمالها وجزاءها؟ - فقال: ان الله سريع الحساب لانه لا يشغله حساب عن حساب ولا يشذ عن عمله شيء ولا يغيب عنه شيء فيحاسب الكل دفعة واحدة فى طرفة عين.
[3.200]
Unknown page