فالمبْطِلُونَ أي: المبْتَغُونَ للباطِلِ الدَّاخِلُونَ فيه.
من فوائد الآية الكريمة:
الفَائِدةُ الأُولَى: إثباتُ أن رَسولَ اللَّه ﷺ لا يَقْرَأُ ولا يكْتب قبل أن يَنْزِلَ عليه القرآنُ، لقولِهِ: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾.
واختلَفَ العُلماءُ هل صارَ النَّبِيُّ ﷺ يُحْسِنُ الكِتابَةَ والقِراءةَ بعدَ نُزولِ القُرآنِ أو لَا؟
جمهورُ الأمَّةِ على أنه لا يُحْسِنُهَا، وأنه ﷺ ماتَ وهو لا يَقْرَأُ ولا يَكْتُب، واستَدَلُّوا لذلك بأن النَّبِيَّ ﷺ كان أُمِّيًا وصفَه اللَّه ﷿ بأنه النَّبِيُّ الأُمِّيُّ، والأمِّيُّ هو الذي لا يَقْرأُ ولا يَكْتُب، وهذا الوصفُ الأصْلُ بقَاؤُه حتى يَتبَيَّنَ زَواله.
واستدلُّوا بأن الرسولَ ﷺ كان لَدَيْهِ كُتَّابٌ يَكْتُبونَ الوحْي والرسائلَ للملوكِ يدْعوهم إلى اللَّه ﷾، ولو كان يكْتُبُ بيدِهِ لكانت كِتَابَتُه بيدِهِ أوثَقُ وأقْوَى اطمِئْنَانًا في المكْتوبِ، والرسولُ ﷺ لم يكُنْ ليَدعَ ما هو أوْثَقُ وأقوى اطْمئنَانًا لأمرٍ دونَهُ إلا عند العَجزِ عنه.
وقال بعضُ أهل العِلْمِ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ صارَ يُحْسِنُ الكِتابَةَ والقِراءةَ بعدَ نُزولِ الوَحْي عليه، واستَدَلُّوا بأن اللَّه تعالى قال: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ﴾ فمفهوم ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ يقْتَضِي أنه بعد ذلك لا يمْتَنِعُ عليه أن يَقْرأَ أو أن يَكْتُبَ.
واستدَلُّوا أيضًا بأن النَّبِيَّ ﷺ في غزوةِ الحُديبِيَةِ لما أمرَ علَّي بنِ أبي طَالِبٍ أن يكْتُبَ: "هَذَا، مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه،