128

Tafsir Al-Muntasir Al-Kattani

تفسير المنتصر الكتاني

Genres

تفسير قوله تعالى: (يرثن ويرث من آل يعقوب) ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم:٦]. لا يليق بالنبي أن يأسف ويهتم بالمال بعده، وقد قال ﷺ: (نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، فما تركه الأنبياء يعتبر صدقة على المؤمنين، فالمؤمنون كلهم له وارث، يرثون ماله وعلمه، ومن هنا كان العلماء ورثة الأنبياء كما قال ذلك ﷺ. إذًا: فمعنى الآية: «يَرِثُنِي» أي: يرث نبوتي، أي: اجعله نبيًا مثلي يرث علمي، واجعله عالمًا مثلي يرث مني الدعوة إلى الله. قوله: «وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» أين يعقوب من زكريا؟! فيعقوب هو الجد الأعلى لسلالة أنبياء بني إسرائيل، وهو إسرائيل، وليس هناك مجال لكي يرثه، وإنما مقصوده: ارزقني ولدًا صالحًا يقوم مقامي في النبوة والتبليغ للوحي، ودعوة الخلق إليه، ومحاربة الشرك والوثنية وفساد الأخلاق. ثم قال: «وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا» أي: اجعله يرضيك في أمرك ونهيك، ويرضيني في البر والطاعة، ويرضي الناس برحمته وشفقته وخدمتهم ودعوتهم إلى الله، فيكون مرضيًا عنه عند الله وعند الناس، فهو لا يطلب الولد فقط؛ لأنه قد يأتي الولد ولا يكون كذلك، وهو في هذه الحالة لا يريده ولا يسعى إليه ولا يحب مجيئه. وقال قبل ذلك: ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [مريم:٤] أي: لم أكن يومًا بدعائك يا رب! شقيًا، أي: مبعدًا بائسًا غير مستجاب الدعوة، أي: عودتني بكرمك وبرحمتك وبفضلك أن تجيب دعائي وتستجيب ندائي وتحقق دعواتي، فلا تغير علي عوائدك الطيبة في هذا الدعاء، حتى ولو كنت شيخًا فانيًا، وكانت امرأتي عاقرًا، فأنت القادر على كل شيء، فافعل ذلك يا رب! ثم عقب بعد ذلك بقوله: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم:٥] أي: خاف الموالي بعده، والموالي هم أبناء العم والعصبة والأنصار والإماء والعبيد؛ فهم الأقارب بالدم وبالصهر وبولاء العبودية والرق، فهو يقول عنهم كلهم: ﴿إِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم:٥] أي: خاف بعد موته أن يخلفه هؤلاء، ولا يكون منهم نبي ولا رسول ولا داعية إلى الله، فهو يدعو الله ألا يخيب رجاءه وألا يرد دعاءه في أن يرزقه ولدًا يرثه في النبوة والكتاب.

19 / 6