يروى أنه لما مات موسى خلفه يوشع ، ثم خلفه كالب ، ثم خلفه حزقيل ، ثم إلياس ، ثم اليسع يحكمون بالتوراة ، ثم ظهرت عليهم أعداؤهم العمالقة ، وغلبوا على كثير وسبوا ، ولم يكن لهم نبى يدبر أمرهم ، وكان سبط النبوة قد هلكوا إلا امرأة حبلى ، فولدت غلاما ، فسمته أشمويل ، سلمته للتوراة فى بيت المقدس ، وكفله شيخ من علمائهم ، ولما كبر نبأه الله ، وكان نائما عند شيخه ، فناداه ملك ، فقال لشيخه ، ناديتنى؟ فقال له : اذهب . ثم ، فكان ذلك مرة ثانية ، فقال له ، إن ناديتك مرة ثالثة فلا تجبنى ، وناداه الملك ، وقال له ، أنت نبى بنى إسرائيل ، فأخبرهم ، فقالوا : عجلت إن صدقت فابعث لنا ملكا ، فكان أمر طالوت وأشمويل هذا من نسل هارون عليهما السلام ، وكان أمرهم يقوم بملك يلى الجموع بنبى يرشده ، ولما ملك أشمويل طالوت قال له طالوت ، أما علمت أن سبطى أدنى أسباط بنى إسرائيل؟ وكان من سبط بنيامين بن يعقوب ولم تكن فيهم نبوة ولا ملك ، وكان دباغا ، وقيل نساجا ، قال : بلى ، فقال أسمويل ، الله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم ، ولما طلبوا آية ملكه كما شهر ، وعليه الأكثر ، أو لم يطلبوا ، أنزل الله جوابا ، أو تقوية ما ذكره عن نبيهم فى قوله :
{ وقال لهم نبيهم إن ءاية ملكه أن يأتيكم التابوت } فعلوت من تاب بمعنى رجع ، فإنه إن غاب هو أو ما فيه رجع ، ويناسبه أيضا أن يضع الواضع فيه شيئا فيرجع إليه ، والأصل التربوت بفتح التاء ، وقلبت ألفا ، وهذا شأن كل صندوق ، والواو والتاء بعد زائدتين كرحموت وملكوت ، وقيل فاعول ، فالتاء أصل بعد الواو ، كالتى قبل ، وفيه قلة اتخاذ الفاء واللام كسلس وقلق ، وهو الصندوق الذى جعلت فيه موسى أمه ، وقيل : صندوق توضع فيه التوراة من شجر السرو ، أو شجر الصمغ مموه بالذهب ، من ثلاثة أذرع فى ذراعين ، وفيه صور الأنبياء كلهم ، أنزله الله على آدم من الجنة ، وتوارثه الأنبياء إلى أن وصل إلى موسى عليه السلام ، وفشا الزنا فى بنى إسرائيل حتى على قارعة الطريق ، فسلط الله عليهم العمالقة ، فأخذوه وجعل الله رده منهم علامة ملك طالوت ، وكان بنو إسرائيل يستفتحون به على عدوهم ، ويقدمونه فى القتال بين أيديهم ، ويطمئنون إليه كما قال { فيه سكينة } طمأنينة لقلوبكم { من ربكم } كان موسى يقدمه فلا يفرون ، وتسكن إليه نفوسهم ، وقيل السكينة صورة من زبرجد أو ياقوت ، لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبها ، وجناحان ، فنئن ، ويسير التابوت بسرعة نحو العدو ويتبعونه ، فإذا استقر سكنوا وثبتوا ونزل النصر ، أخرجه ابن جرير عن مجاهد ، قال الراغب ، ولا أراه صحيحا ، والتصوير كان حلالا للأمم ولو لما فيه روح وبرأس ، بل ولو لم يحل ، لأنه هذه من الله ، ففى التوراة لا تعلموا صورا ولا تعبدوها ، ويقال : كانوا يسيرون بسيره ويقفون بوقوفه ، وإذا استمعوا صوته تيقنوا بالنصر ، أو التابوت القلب والسكينة ما فى القلب ، من العلم والإخلاص ، وإتيانه مصير القلب كذلك بعد أن لم يكن ، وهو ضعيف ، لأنه لا يلائم أنه آية ملك طالوت لخلفائه ، ويروى أنه إذا اختلف بنو إسرائيل تحاكموا إليه فيكلمهم بالحكم { وبقية مما ترك ، ءال موسى وءال هرون } عصا موسى تنثنى فيه ، ونعلاه وثيابه ، وعمامة هرون ، وما تكسر من ألواح التوراة حين ألقاها موسى ، وقفيز من المن الذى كان ينزل فى التيه ، وإلا لأن أبناءهما أو أنبياء بنى إسرائيل ، لأنهم أبناء عمهما ، أو ذكرا تعظيما ، والمراد نفس موسى وهرون { تحمله الملئكة } بعد أن نزعته من ظهر البقرتين حين قربتا من الوصول ، وذلك أنه لما عصى بنو إسرائيل غلبهم جالوت وقومه من العمالقة وأخذوه وجعلوه فى موضع البول والغائط ، ولما أراد الله أن يملك طالوت سلط الله عليهم البلاء ، وابتلى كل من بال عليه بالبواسير وهلكت لهم خمس مدائن ، فعلموا أن ذلك بسبب التابوت ، فحملوه على ثورين فأقبل الثوران ، ووكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة حتى قربا من منزل طالوت حملوه إليه ، وقيل : ساقوهما حتى أتوا منزله فسمى السوق حملا ، ولما سألوه الآية قال لهم نبيهم : إنكم تجدون التابوت فى دار طالوت ، { إن فى ذلك لأية لكم } على ملك طالوت تنتفعون بها { إن كنتم مؤمنين } وهذا من كلام نبيهم ، أو خطاب من الله لهم ، ولما رأوا التابوت أقروا بملكه ، وتسارعوا إلى الجهاد ، واختار من شبابهم سبعين ألفا فارغين من الأشغال ناشطين ، وقال لهم لا يخرج معى من نبى بناء لم يتمه ، أو من شغل بالتجر ، أو من تزوج بامرأة ولم يبن بها ، وقيل : ثمانين ألفا ، وقيل : مائة وعشرون ، ومنهم داود على كل الأقوال .
Page 298